عربدة سياسية
لم يكن مستغرباً أو مفاجئاً أن يُقدِم ما يسمى “سفير” الكيان الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان على تمزيق نسخة من التقرير السنوي لمجلس حقوق الإنسان على منبر الجمعية العامة للمنظمة الدولية، لأن التقرير تضمّن إدانة للجرائم الصهيونية المرتكبة بحق الفلسطينيين، وأقر تشكيل لجنة للتحقيق في العدوان على قطاع غزة في أيار الماضي.
ما يفقد هذا السلوك الفاضح، عنصر المفاجأة والغرابة، هو أن ساسة الكيان اعتادوا هذه الوقاحة السياسية والسلوك المعادي تجاه أي معارضة، ولو كانت شكلية، لما يرتكبوه من إرهاب وعدوان.
كما أن الكيان اعتاد صمت المجتمع الدولي وتجاهله للجرائم بحق الشعب الفلسطيني خصوصاً والمنطقة العربية عامة، ولذلك فإن حكومة الاحتلال لا تكترث بالقوانين والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.
لم يكتفِ إردان، مجرم الحرب والمعروف بعدوانيته وعنصريته وتحريضه المستمر ضد وكالة “أونروا” وضد قضية اللاجئين الفلسطينيين، بتمزيق التقرير بكل ما يحمله هذا السلوك من تحقير فاضح للأمم المتحدة ودورها، بل زاد عليه بالقول “إن مكانه في القمامة”، في إشارة واضحة ليس إلى استمرار نهج الكيان الصهيوني في إنكار كل المواثيق الدولية والإنسانية فحسب، وإنما إلى أن مصير جميع القرارات الدولية التي تدين الاحتلال الإسرائيلي وتنتصر للقضية الفلسطينية بأنها لن تجد طريقها للتنفيذ، بل سيكون مصيرها الإهمال فوق الرفوف أو الرمي بالقمامة.
ناهيك، أنه لم يكن لممثل كيان الاحتلال أن يقدم على هذا السلوك ومن على منبر المنظمة الأممية، لولا يقينه أن المجتمع الدولي سيسكت عن هذه الإهانة كما اعتاد الصمت عن الانتهاكات التي تتعرض لها المؤسسات والمنظمات الدولية دائماً على يد ساسة كيان الاحتلال في جميع المحافل.
سكوت يتماهى مع صمت الغرب والمنظمات الدولية وتجاهلهم لجرائم العدو بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة العربية.
ما جرى من على منبر المنصة الأممية، يعيد إلى الأذهان ما فعله ممثل الكيان في الأمم المتحدة حاييم هيرتزوغ في سبعينيات القرن الماضي، عندما قام بتمزيق قرار الأمم المتحدة الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، إذ لم يكن كيان الاحتلال ليرضى بتمرير مثل هذا القرار، وهو الذي يحرص على استخدام وصف معاداة السامية سوطاً لإرهاب واتهام كل من يدين جرائمه، وليكون ستاراً للقتل والعنصرية وأبشع الاعتداءات التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
أمام عربدة الكيان الإسرائيلي وتماديه بنزعته العنصرية والعدوانية التي تجاوزت المؤسسات الدولية ووصلت لمنظومة القيم الإنسانية، يجب على المجتمع الدولي، صاحب المعايير المزدوجة، التحرر من عجزه أمام الجرائم المتواصلة للاحتلال، ومحاسبته على جميع انتهاكاته، والبدء بمعاقبة إردان على عربدته السياسية التي حقّرت الأمم المتحدة علانية، فمن غير تحقيق ذلك لن تستعيد المنظمة الدولية بعضاً من كرامتها التي أضاعتها بسبب عجزها عن إدانة وملاحقة الكيان الإسرائيلي.