«التواصل بين الرواية والفنون».. من «نهاية رجل شجاع» إلى «البؤساء» ولوحات «فاتح المدرس»!

شغلت الأفلام السينمائية المأخوذة عن الروايات المهتمين بالأدب والسينما على حدٍ سواء، وإن ذهب الاهتمام في معظمه نحو المقارنة والتفضيل، وجهة نظرٍ غير متوازنة انسحبت على الدراما التلفزيونية برغم محدودية التجارب، في حين ساهمت نخبوية التشكيل في توّجهات طغى عليها طابع «التجربة الخاصة» في العلاقة بين الرواية واللوحة.
هذه الأفكار وغيرها كانت محوراً لندوة أقيمت أمس على هامش معرض الكتاب السوري في مكتبة الأسد الوطنية، تحدث فيها السيناريست حسن م. يوسف عن تجربته في كتابة سيناريو مسلسل «نهاية رجل شجاع» للمخرج نجدة أنزور، والمُقتبس عن رواية حنا مينة بالعنوان نفسه، أيضاً استعرضت الصحفية والكاتبة د. مانيا سويد جزئيات من كتابها «سينما وأدب في مئة عام» وانتقت فيلمي «البؤساء» و«خزانة الألم» للنقاش، بدوره عاد الناقد سعد القاسم إلى مراحل تباينت فيها العلاقة بين الأدب والتشكيل رسماً ونحتاً.
«نهاية رجل شجاع»
تستند «الأغلبية» في بداية حديثنا إلى فرضية تجعل «الأمانة» في تحويل رواية إلى عمل درامي، قاعدة تحكم من خلالها، لكن وإذا ما تجاوزنا هذا نحو الموازنة بين العمل الروائي وما يمكن للسيناريست إضافته، فكيف سيبدو التقييم أو التوصيف للمُنتج الثاني؟
يقول السيناريست حسن م. يوسف لـ«تشرين»: «لا أستطيع أن أكون أميناً للتفاحة عندما آكلها، لأنني ببساطة أحولها إلى حركة وأفكار، كذلك العلاقة بين النص الأدبي والسيناريو، الرواية كيان مقروءٌ ومُتخيل، بينما السيناريو مرئيٌ ومسموعٌ ومتحرك، أي كيانٌ مستقل ومختلف كلياً عن الرواية، لذلك إذا شئنا أن نقدم الرواية كما كتبها الكاتب فنحن نقوم بقتلها تماماً».
وأضاف السيناريست: «سرُّ نجاح مسلسل «نهاية رجل شجاع» هو أنني فجرت الطاقات الداخلية الكامنة في الرواية، لم أقدمها كما هي، بل أضفت لها شخصيات واشتغلت على أخرى، وهذا من صميم عملي ككاتب سيناريو كما أفهمه، أنا أكتب السيناريو من وجهة نظر سينمائية لأنني أعتقد أن السيناريو التلفزيوني كائن هجين يأخذ الحوار من المسرح والصورة من السينما، تالياً السيناريو الحقيقي هو السينمائي، وأرى أن العلاقة بين الرواية والسيناريو تشبه نظيرتها بين البذرة والنبتة، كل الخواص الموجودة في الثانية موجودة أساساً في الأولى، لكن النبتة كيان مختلف، تعلمت هذا من أبو الدراما «أرسطو» في كتابه «فن الشعر» الأقدم والأهم في تاريخ الدراما».
أما عن عدم تكراره تجربة تحويل رواية إلى عمل درامي، فالأمر يعود على حد وصفه إلى أن «الكاتب الدرامي شخص غير مستقل»، يتابع يوسف: «خلال عشر سنوات قدمت عملين فقط لأنني غير مطلوب من شركات الإنتاج، هل يعقل أن أكتب سيناريو 1200 صفحة، يحتاج مني عاماً كاملاً، ثم أنتظر أن يتحول إلى مخلل؟. كل الأعمال التي كتبتها كانت بناء على تكليف مسبق لأن أعمالي ذات طبيعة خاصة، تحتاج جرأة في الإنتاج، عملي الأخير «حارس القدس»، لم يعرض إلا في قنوات محدودة جداً لأنه يتناول قضية سورية من منظور يخدم السياسة السورية، لذلك قاطعوه، حتى السلطة الفلسطينية التي يخدم قضيتها لم يعرض على قنواتها!».
المُشاهد والقارئ
في ميدان السينما والأدب أيضاً، يحضر كتاب «سينما وأدب في مئة عام» كنموذج بحثي، تقول مؤلفته د. مانيا سويد: «حين راودتني فكرة الكتاب، لم يكن في خطتي أن أُقدم مرجعاً تاريخياً عن السينما ولا مُؤلَّفاً في النقدين السينمائي والأدبي، قصدت توثيق ارتباط انعقد مع ميلاد السينما بين لونين من ألوان الفنون والآداب، وأثبت نجاحه جماهيرياً ونخبوياً على مدار مئة عام وأكثر، حاولت أن ألعب دور القارئ الذي يُفتش فعثرت على جواهر نفيسة أدغمها الأديب بمهارة وبراعة، ودور المشاهد الذي يُمعن، فأدركت رسائل واراها السينمائيون بحرفية وإتقان».
تحدثت سويد عن فيلمين يستندان إلى نصوص مكتوبة، الأول «خزانة الألم»، يروي أحداثاً وقعت لمجموعة من الجنود الأمريكيين المكلفين بمهمة إزالة الألغام التي خلفتها الحرب الأمريكية على العراق، تشرح سويد: «كاتب النص السينمائي والسيناريو الصحفي «مارك بوال»، كان صحفياً مستقلاً ضمن فريق التغطية لعملية إزالة الألغام، فكتب عنها الكثير لكنه كان أيضاً كاتب قصة وسيناريست ومنتجاً، فتحمس لترجمة تلك التجربة إلى فيلم سينمائي أخرجته «كاثرين بيغلو»، والتي يبدو أنها وضعت كاميرتها في جانب متجاهلة الجوانب الأخرى أهمها الأثر النفسي الذي زرعته الحرب الأمريكية في نفس الطفل العراقي آنذاك، كما غضت النظر عن المآسي التي عاشها العراقيون وآلاف الضحايا من المدنيين الذين لم يرتكبوا جرماً أو ذنباً». وترى سويد أنه بالرغم من فوز «خزانة الألم» بالأوسكار لعدة فئات من بينها الإخراج، لكنه كان ظالماً عنصرياً ازدواجيّاً في معاييره، متحيزاً في طرحه.

الفيلم الثاني هو «البؤساء» المُنتج عام 2012 ، تقول سويد: «الفيلم ليس الأول الذي يعالج الرواية الأشهر للأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو سينمائياً لكن في هذه التجربة نوع من التمرد على الرؤية الواحدة لأحداث الرواية في التجارب السينمائية السابقة، إعداد السيناريو لم يكن بالمهمة السهلة فطابعه الخاص الموسيقي الغنائي لعمل روائي لم يكتب في الأصل في هذا القالب، يحمل على عاتق صانعيه من الأعباء ما لا يحمله غيره من السيناريوهات».
التخصص فقط !
في الحديث عن التشكيل والرواية، تتخذ العلاقة بينهما عدة أشكال، ربما يتأثر التشكيلي برواية ما أو تكون اللوحة ملهمة لكتابة نص، يقول الناقد سعد القاسم لـ«تشرين»: «عرفت سورية في الأربعينيات والخمسينيات مع بداية الفن التشكيلي، علاقة تفاعلية بين الأدب والتشكيل، العديد من التشكيليين كانوا معنيين بالأدب، أيضاً كان أدباء المرحلة نفسها متابعين ومهتمين بالتشكيل، أحياناً يكون الشاعر رساماً كما في حالة الشاعر نزيه أبو عفش، أو الرسام شاعراً مثل عبد القادر أرناؤوط، أو كاتب قصة مثل فاتح المدرس ونذير نبعة».
يضيف القاسم: «لكن لو عدنا في الزمن لوجدنا أن الفن كان سبّاقاً، فالإنسان رسم على جدران الكهوف قبل أن يبتكر اللغة، لاحقاً استندت الفنون في الحضارات إلى شيء فكري وفلسفي، وعلى ذلك الرواية وُجدت دائماً في التشكيل، والأمثلة كثيرة منها «جلجامش» أسطورة بابلية توجد بشكل واسع في النحت الرافدي، «الأساطير الفرعونية» موجودة في الفن المصري، «الإلياذة والأوديسا» بقيت صور حكاياها تظهر في لوحات التشكيل الأوروبي حتى نهاية القرن التاسع عشر».
اليوم يتجه المبدعون للتخصص في نوع محدد لكن ذلك ليس مصادفة أو اعتباطاً، يوضح القاسم: «بدء هذا كوجهة نظر فلسفية تشكيلية مع الانطباعية في سعيها لتحرر الفن من الأدب والفلسفة، مستندة إلى رؤية تؤمن أن الفن بصري ولا علاقة له مع الذاكرة الأدبية أو الفلسفية، مع الزمن ابتعدت عن الموضوع لصالح الشكل وإيحاءاته وأحاسيسه». لكن ما لا يجب نسيانه هنا هو شكل يرتبط بكلام الأديب عن لوحة فنية، يوضح القاسم: «الأمر يتعلق بمستوى ثقافة المجتمع، لو تحدث كاتب عن لوحة لفاتح المدرس في روايته، فكثير من القراء لن يعرفوها، العلاقة مع الثقافة التشكيلية ضعيفة وهي علاقة الأدباء أنفسهم للأسف، كذلك تظهر علاقة التشكيليين مع الأدب بالضعف ذاته».

تصوير: طارق الحسنية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار