إنكار للعدالة
بعد مرور عقد من الزمن، أعلنت بريطانيا إغلاق التحقيق في اتهامات تتعلّق بارتكاب جنودها جرائم تعذيب واغتصاب وقتل بحق عراقيين خلال غزو العراق عام 2003، من دون أي ملاحقة قضائية واحدة، رغم توجيه 178 تهمة من خلال 55 تحقيقاً منفصلاً. ما يعني حرمان الضحايا العراقيين من العدالة عبر تبرئة القتلة، وإغلاق الباب رسمياً أمام أي شكاوى قادمة.
وللمفارقة، أنه وفي نتائج متناقضة اعترفت بريطانيا بارتكاب جنودها جرائم ضد عراقيين خلال غزو العراق، لكن مع ذلك أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس في رسالة إلى البرلمان، إغلاق التحقيقات التي تتضمن انتهاكات خطرة من اغتصاب وتعذيب وقتل وحتى إعدام وهمي.
لم يكن مستغرباً أو مفاجئاً أن يتم إغلاق التحقيق على هذا الشكل المخيب للآمال من ناحية إسقاط التهم عن الجنود لاعتبار أن أغلبها غير موثق “على حد تعبير بن والاس”، رغم تأكيد محققين بريطانيين وجود أدلة جديدة وصفوها بالموثوقة تفيد بارتكاب جرائم حرب نفذها جنود بريطانيون في العراق وأفغانستان.
رغم وجود الأدلة على انتهاكات الجنود البريطانيين، إلا أن حكومة لندن وضعت تلك الأدلة جانباً لدواع سياسية، ففي تحقيق صحفي قامت به كل من هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وصحيفة “صنداي تايمز” مع 11 من المحققين البريطانيين العاملين على القضية، أكدوا أن وزارة الدفاع البريطانية متورطة بالتعاون مع كبار الضباط في عمليات التستر على القتل والتعذيب غير القانوني، حيث كانت تمارس ضغوطاً متزايدة على المحققين لإجبارهم على تعليق التحقيق في أسرع وقت.
ولم يكتف بن والاس بطي صفحة التحقيق بكل ما فيه من انتهاكات لا تزال حيّة في أذهان العراقيين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في القفز فوق جراح العراقيين، وتسويف معاناتهم مقابل “تمجيد” قوات بلاده التي زعم أنها “خدمت في العراق بشكل مشرف”، والتذكير بأن الحكومة البريطانية دفعت 15,1 مليون جنيه إسترليني عام 2012 كتعويضات لأكثر من 200 عراقي اتهموا جنود بريطانيين بالاعتقال غير القانوني والتعذيب، في إشارة منه إلى أن ما دفعته بريطانيا هو مبلغ كاف “لإسكات العراقيين” عن ما تعرضوا له من انتهاكات.
بعد عشر سنوات من المماطلة وطمس الحقائق، تستطيع بريطانيا أن تغلق التحقيق في إنكار للعدالة، لكنها لن تستطيع أن تجعل العراقيين ينسون، أو يكفّون عن مطالبة المجتمع الدولي بإدانة جرائم الحرب التي ارتكبت بالجملة، فالتاريخ أكد أن جرائم الحروب لا تموت ولا تسقط بالتقادم طالما أن وراءها مطالب.
سيأتي اليوم الذي ستجبر فيه بريطانيا وكل من شارك في غزو العراق، على تقديم الاعتذار للشعب العراقي، ودفع التعويضات التي مهما بلغت لن تستطيع أن تمحي آثار العدوان من ذاكرة مليئة بذكريات موجعة وانتهاكات يندى لها جبين الإنسانية.