الزمن الأسود!
لا تقولوا إننا في الزمن الأسود؟! لكن ثمة من يحاول أن يغطي الشمس بغربال! في يوم واحد وخلال ساعات قليلة ينتشر كالهشيم خبر عن فنان وصل صيته الى حدود العالمية فيستغل حفيده، محبيه ومعجبيه ليظهر بأشكال وأوضاع مخلة بالأدب والآداب العامة ويصير صيحة أو موضة أو تقليعة يتهافتها الشباب ما بين مقلد وحذر.
وهذا آخر يجمع كتاباته على مواقع الدردشة ليصدرها كتاباً يحكي فيه عن خصوصياته ويكشف خصوصيات أصدقائه وأقاربه من دون وازع من أخلاق ويصرح بأن كتابه الجديد هو نوع جديد من الأدب وهو برمته قلة أدب!
وشاعر آخر يقول شعراً من الواقع كأنه يسخر من القارئ فيكتب قصيدة عصماء بعنوان «حضور يكمل الغياب» و«حبك يقطعني كما تقطع السكين الجزرة بيد ربة البيت»، أضف إلى ذلك الكتب المسطحة التي تنشر كلاماً عادياً يمكن أن يقوله أي شخص ولا علاقة له بالأدب والإبداع لا من قريب أو بعيد.. لكن المشكلة أن هناك من ينشر مثل هذه الكتب! وهناك دُور نشر مستعدة لنشر التفاهات مادمت تدفع أجور الطباعة.
ويتبجح هؤلاء بأنهم أصبحوا من المثقفين والكتّاب ولو أنك سألت أحدهم سؤالاً في اللغة العربية لمستوى طلاب المدارس لوجدته يتلعثم بالجواب.. فأي أدب وأي ثقافة؟!
يبدو أنه كما الإنسان والنبات يصابان بالأمراض والأوبئة فكأن بعض أنواع الثقافة والأدب والتواصل تتعرض أيضاً لفيروسات تصيبها فتحيل الكثير من المضامين إلى صفحات مملوءة بالتفاهة.
ويتعدى الموضوع ما هو المهم والأكثر أهمية إلى مضمون خالٍ من الإبداع والجمال وفيه الكثير من الشتائم والسخافة والقبح!
هل العلة في أذواق الناس التي تغيرت، أم إنه طبيعة التغيير الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي كأن الموضوع خرج من حدود الانضباط والمسؤولية إلى الجهر بالسوء والفاحشة!
لطالما كانت الثقافة سلّماً يرتقي فيه الناس إلى عوالم خصبة من الجمال والإبداع والموهبة، ولاشك في أن هذه الظاهرة تبعاتها كبيرة على الثقافة والأدب من خلال تدميرها مفاهيم الإبداع والأدب الذي لا يمكن لأي أحد الدخول في متونه إلا بموهبة حقيقية، وممارسة ومعرفة وأشياء أخرى تنبني عليها قوة وضعف المحتوى الإبداعي المطروح!.