من الأمس واليوم والغد!

تأتي المفارقة أن كل الدروب تؤدي إلى مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن التواصل يكاد ينقطع في البيوت وبين الأقارب والجيران والأهل باستثناء الترحيب الحار عبر الشاشات العجيبة.. ينظر البعض إلى أننا بتنا نعاني في علاقاتنا الحقيقية غير الافتراضية من الفقر والانفصال العاطفي وهذا بدوره يقودنا إلى ما يشبه الشلل الغريب في الهمم والمواهب وهذا التخلف السحيق في مجال تعلق الجيل الجديد بمواقع التواصل والتطلع إلى المشاهير وأرباب الموضة كقدوة لهم، ما يكرس حالة السفافة وغياب الحالة الإنسانية والثقافية والتوجه نحو مواقع الألعاب والنكت الساذجة وأخبار المشاهير والكثير من دراما الفوضى والعبث تحت مسميات التواصل.
وأكثر ما يظهر هذا الفقر في لهاث الجيل وراء السلع والبضائع الاستهلاكية المادية المعلّبة في أقاصي الغرب والشرق والشمال والجنوب والتعلق بركاب أفكار مسمومة توضع لهم في قوالب جميلة من التسلية والفكاهة ترسم خطوطاً أشبه بخيوط العنكبوت تحيط بالفقاعات الذهنية لأبنائنا وتتصيدهم وتحول بينهم وبين التأمل والتفكر بمدى فائدتها على حياتهم ومستقبلهم.. وإذا ما كانت هذه الدروب ضمن القيم التي أعلت بنيان حضارتنا! أو هل تصلح وتسعد مجتمعاتنا أم تشقيها، أو هل من المناسب أن نتعلق بها كما يتعلق المتسولون بأذيال السادة؟!
وهذا العبء الثقيل يحتم تضافر كل الجهود المجتمعية من الأسرة إلى وزارات الإعلام والثقافة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية وكل الهيئات ذات التوجه الثقافي والتربوي والقيمي للعمل على مشروع اجتماعي تربوي ثقافي حقيقي يكون بزيادة المعرفة والعلوم وتنوعها لا بنقصانها، وبالاختيار لا التقليد.. ومساره البحث عن المعارف والعلوم والفنون الأصيلة وتوثيقها وليس الاستغناء عما خبرناه ووثقنا بمضمونه واستبداله بمحتوى مسموم لما يسمى ثقافات لدول لا همّ لها غير الاستعلاء والتكبر على الأمم الأخرى بميزان التقدم والتخلف وما هو إلا من صنيعتها!
شيء ما غريب يحدث في مجتمعنا يحاول التشويش على كل الجهود والموروث الأخلاقي محاولاً وصمها بعدم الفائدة أو الجدية والعبثية مستخدماً الحجج الاقتصادية والمعيشية لتصنيف الأخلاق كرفاهية وليس حاجة إنسانية.
إن ما يؤسف له أن أغلب ما يتعرض له الجيل الجديد من حراك فوضوي يأتي من باب التقليد وعبر بوابات مشبوهة تحترف خداع العقول عبر عولمة ثقافتها وفنها لطمس ثقافات الشعوب وحضاراتها التي تخفي بين ثناياها حرباً ثقافية لطمس هويتنا وتشويه حضارتنا وتراثنا وقيمنا.
ولا يفهم بذلك أننا ننأى بهذا الجيل عن الاستفادة من التقنيات الحديثة، فهي عنوان العصر الحالي وما بعده، لكن أن نوثق محتوى حضارتنا ورموزنا ومفكرينا ومبدعينا وإشراقاتنا الفكرية والثقافية ونشر محتواها على مواقع التواصل ولاسيما الثقافية والإعلامية والفكرية والتعليمية التي لا ينكر العالم فضلها.
لقد أضاءت شمسنا وحضارتنا العالم في أحلك الظروف ومن حق الجيل الجديد أن يكون فخوراً بتاريخه ورموزه التي تضيء له طريق العلم والمعرفة والإبداع، وعليه أن يفخر بأن العربي هو الإنسان الذي يعشق الحرية ويتصف بالصدق والشجاعة والكرم والإغاثة، فانظر ماذا يسوّق الغرب لتشويه صورة العرب في القواميس والدراما ووسائل التواصل عن العربي؟! وللحديث بقية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار