الحملان والذئاب!
كأنني أعرفه كصديق قديم، بدأت أقرأ له وأقرأ عنه، وكان لابد من وقفة معه، فالحكمة والنباهة والحس الفكاهي كانت عنده بقدر وقد وضع الحياة في ميزان بحيث لا يعتبر الحملان ضحية ولا الذئاب وحوشاً! وإنما لكل دوره في هذه الحياة التي تتسع للجميع.
كان «لافونتين» ينظر إلى الحياة والمجتمع على نحو ساخر، وعن طريق استخدامه رموز الحيوانات والحوار الذكي تناول كثيراً من الأنماط الاجتماعية المختلفة وقد كتب في ذلك: «أنا أقارن أحياناً بالصورة المزدوجة الرذيلة والفضيلة / الحماقة والحس السليم/ الحملان والذئاب/ الذباب والنمل، وأجعل من ذلك كوميديا فسيحة الأرجاء تضم عدداً كبيراً من الفصول المختلفة ومسرحها هو الكون. ومن تلك القصص الساخرة التي كتبها لافونتين ما حدث في إنكلترا منذ زمن ليس ببعيد عندما تم نصب تلسكوب ضخم لمراقبة القمر وفجأة أصيب المراقب بالذهول وهو يرى ما بدا له حيواناً جديداً على هذا الكوكب الجميل، لم يصدق وأخبر الجميع وشعر الناس بالإثارة لهذا الظهور العجيب كأنه وحش كبير يمشي على القمر، وانتشرت الأقاويل.. شيء ما قد حدث هناك بالأعلى وهو بلا شك يدل على تغيرات كبيرة من نوع ما، حتى إن هناك من بات يعتقد أن الحروب المروعة التي كانت تهز العالم بعنف آنذاك لم يكن سببها سوى هذا الظهور؟!.
ترأس الملك مجموعة العلماء ومضوا إلى المرصد لرؤية المشهد الغريب وهذا ما فعله الملك بنفسه.. الوحش هناك بكل تأكيد.. لكن ماذا كانت حقيقة الأمر؟ لا شيء سوى أن فأرة صغيرة مسكينة انحشرت بمحض المصادفة بين عدسات التلسكوب وعندما انكشف السبب قال المراقب: هنا يكمن السبب في كل الحروب المدمرة! ثم بدأ الجميع بالضحك.
عندما كان «لافونتين» فتى صغيراً قاده السأم السائد في المجتمع الى حالة من الاعتزال لم يخرجه منها سوى ولعه بأن يكون صاحب شأن ومكانة.
مع بلوغه الثانية والعشرين من عمره سمع عن طريق المصادفة ألحاناً عذبة من قيثارة.. شعر كأن روحاً جديدة تلبّسته وكأنه نزل في كوكب الشعر، مما أيقظ عروس الشعر التي كانت هاجعة في داخله وسرعان ما بدأ رحلة التعرف والاطلاع على الأدباء من أمثال أعمال «فيرجيل» و«هوراس»، وصار محط حظوة لدى جميع الأدباء البارزين في عصره.
كان «لافونتين» يعدّ رحالة حالماً احتلت القصص ذات المغزى التي كتبها مكانة بين روائع الأدب العالمي وهي موسومة بحبه للحياة الريفية وقد ترجمت على نطاق واسع.