الحركة والسكون
يعمد البعض كما في معظم المسلسلات إلى تقديم أنفسهم عبر كمٍ كبير من اللقطات السريعة القصيرة عن التفاصيل اليومية ذات الأهمية الثانوية، ويعتقد هؤلاء أن هذه الطريقة تعطي الفرصة للآخرين لمعرفتهم ومن ثم تقبل التفاصيل النفسية والفكرية الأكثر عمقاً القادمة، لكن مع الغوص بالتفاصيل الصغيرة والسريعة نجد أن التوغل بالتمثيل وعدم التعبير عن الذات بعفوية وبشكل طبيعي وحقيقي يجعل التفاعل الصادق مع هذه الشخصية صعباً، وبالتالي لا يكون لدى هؤلاء ما يكفي من الفرص كي يوصلوا مشاعرهم وأفكارهم وحالاتهم المتقلبة لمن حولهم.
كأنما أصبحت حياتنا بعد التقدم التكنولوجي والتواصل الافتراضي سلسلة طويلة من الحلقات التمثيلية التي تتكرر أجزاؤها مع تعاقب الفصول، فكثير من العائلات باتت تظهر عليها أعراض أمراض من قبيل الطلاق العاطفي ولسبب ما توقف الكلام والمزاح في العائلة، الكل يقول كلمات مقتضبة ويمضي ويترك الآخر في حالة من الصمت الاختياري.
والخوف أن تفقد الحياة تلك الروح الجميلة التي تبث الحماسة في الأسرة وفي العمل وتفاجئنا بمبادرات لطيفة تجعلنا نشعر بإنسانيتنا وأن الحياة قيمة كبيرة وفرصة عظيمة تستحق أن نمنحها ما تستحقه من العواطف والأفكار الجميلة التي تجعلها حياة حقيقية وليست تمثيلاً!.
أتأمل أمام مسلسل الحياة..! ماذا يريد المخرج وكاتب القصة أن يقول؟ وما هي الرسائل المتوجهة للمتلقي؟ إنها أسئلة بحكم «الحزورة»، فلا شيء يبدو واضحاً، وإنما سلسلة من المشاهد التي عليك إعادة ترتيبها في ذهنك للوصول إلى الحبكة.
وتختلف الحكايات والقصص في الحياة كما تختلف في الدراما وتبقى كل حياة حالة فريدة، ولكن ثمة أشياء تشترك فيها حياة الكثيرين وهي فوضى الرؤية وتراجع حماسة البعض في إبراز الجوانب العاطفية والنفسية للشخصية.
وهنا تأتي أهمية اللحظات الصادقة التي تعطي الحياة والناس الملامح الجدية وتجعل الآخر مندمجاً ومتفاعلاً ويفكر في خطوتك اللاحقة ويحزن لحزنك ويفرح لفرحك ويترصد انفعالاتك في حالتك.
وفي الحقيقة، إن كثرة مشاهد التمثيل في الحياة الحقيقية لا تضيع الحياة وجمالها فقط، بل الروح الجميلة والمشاعر الصادقة والعواطف التي هي مصنع السعادة، وإذا كان البعض يستطيع تزييف كل شيء في الحياة فيكفيه ألماً أنه لن يشعر بالسعادة الحقيقية في صدق المشاعر والانفعالات طوال عمره وهو أقسى عقاب يستحقه.