على هامش قرار إيقاف فتحي نورين
هل فعلاً الغرب جادّ في ديمقراطيته حتى حين يتعلّق الأمر بألعاب القوى؟ هنا تفقد الديمقراطية روحها الرياضية، فتتحوّل اللّعبة إلى مجال حيوي لتصفية الحسابات السياسية وحيز للجريمة والعقاب. هكذا قرر الاتحاد الدولي للجودو إيقاف البطل الجزائري فتحي نورين ومدربه عمار بن يخاف لمدة 10 سنوات، بعد رفضه مقابلة منافسه الإسرائيلي من أولمبياد طوكيو.
يبدو القرار طبيعياً وجزءاً من بيروقراطية تناقض روح الرياضة ومفهوم التعددية وحقوق الإنسان. سؤال حتى الآن وجب أن يُثار بعناية، لأنّه يناقض مفهوم السيادة والحرية وحتى تقرير المصير.
إن انسحاب عضو من اجتماع في مجلس الأمن بسبب منافس من الكيان المذكور لا تترتب عليه مثل هذه الآثار الجنائية، لكنه في الرياضة تصبح حرية الاختيار غير واردة. إنّ عقوبة الإيقاف هنا بالنسبة لرياضي هي عقوبة جنائية، لكن ما هي جريمة نورين؟
ليست الرياضة لعبة جامدة أو مجالاً لقيم مستقلة عن منظومة القيم الإنسانية العامة. فالرياضي إنسان ومواطن وله التزامات أخلاقية وهو يمثل سيادة أمة. أن يرفض رياضي مقابلة رياضي من كيان احتلال، هذا تعبير عن نزاهة وروح رياضية والتزام قومي وتحرري.
نورين الذي كان يُفترض أن ينال تكريماً، عبّر عن مشاعر أمّة بكاملها، وبالتالي عقوبة نورين هي عقوبة لأمة واستهتار بمشاعرها التحررية.
وضع نورين الاتحاد الدولي في مأزق، وتسبب في إعادة طرح السؤال حول مصير روح الرياضة وعلاقتها بالتحرر الوطني. جريمة نورين الوحيدة أنّه استحضر القضية الفلسطينية، هل يا ترى يوجد ما يمنع بطلاً رياضياً أن يعبر عن روح التضامن مع شعب يرزح تحت الاحتلال؟ السؤال المطروح اليوم على الأخلاقيات الرياضية هو: هل يعتبر رفض مقابلة منافس من كيان احتلالي إخلالاً بالأخلاق المهنية لبطل رياضي.. وما معنى البطولة إن باتت الرياضة تعمل في شروط كيّ الذّاكرة الجماعية، وإرغام الأبطال عن قتل مشاعر الانتماء؟
بالنسبة لنورين فقد فاز فعلاً باللّقب، لأنّه انتصر للضمير، وانتصر لأمة كاملة وللعدالة والحرية، فبعد كل هذه القيم لا يمكن للروح الرياضية أن تعني شيئاً إن كانت ستكون مناقضة لمنظومة القيم الخالدة. فالأبطال أيضاً يعبرون بطريقتهم عن السيادة بمفهومها السياسي والقانوني، حيث كان من المفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار خيارات الشعوب والأفراد في مناهضة كل ما من شأنه أن يجعل من أبطال الرياضة كائنات منزوعة الروح الوطنية والقومية والضمير.
لا توجد مؤسسة فوق وطنية لا تعمل بمقتضى السياسة، فعلاقة الرياضة بالسياسة علاقة عميقة، كما أنّ الرياضة باتت موضوعاً أساسياً لعلم اجتماع الرياضة، فالأبطال ليسوا مجردين عن كل هذه الشروط التي تفرضها حقائق التاريخ والجغرافيا والاجتماع السياسي نفسه، ويمكن أن نضيف الأبعاد الجيوسياسية للرياضة.
تتناقض العقوبة إياها مع علم نفس الرياضة نفسها، فالروح الرياضية تقتضي أن تكون الروح القتالية هنا منافسة شريفة تحضر فيها الروح التنافسية وليس روح التدمير. حين يلتقي بطل مع منافس لا يربطه معه عقد سلام، تصبح الروح الرياضية بلا موضوع. هل يُعاقب الأبطال على رفضهم الدخول في منافسة بلا روح رياضية؟
ركز مؤسس الأولمبياد البارون الفرنسي ببير دو كوبرتان على فكرة الإخاء التي تعكسها الحلقات الخمس لشعار الأولمبياد ، وكذا على ثلاثية: الأسرع والأعلى والأقوى (Citius-Altius-Fortius)، هذه المبادئ الأساسية التي تعكس الروح الرياضية تفتقد أهميتها حين يتم إرغام لاعب أن يقابل منافساً آتياً من كيان احتلال يمارس أقصى سياسة الآبارتهايد ضدّ المحلّي. من الذي يمنح صفة العضوية لكيان محتل في لعبة تقوم على الإخاء ونبذ التمييز العنصري؟
لقد عاقب الاتحاد الدولي كل من يشارك نورين ذلك الموقف الذي انتصرت فيه روح الانتماء. الرياضة ليست لعبة مجردة، ومشاعر الرياضي عنصر أساسي في إدارة اللّعبة. إنّ الديمقراطية تواجه امتحاناً كبيراً، لأنها باتت تتنكّر للذّوق والانتماء والضمير والحق في التضامن والنّضال، وكأنّ الأبطال الرياضيين قبيلة مستقلّة عن الاجتماع البشري. إنّها إمبريالية الرياضة الدولية وعنفها البيروقراطي.
كاتب من المغرب