عالم «الآخرين»
«فتحت الباب من دون تلكؤ، لم تطرح أي سؤال، ولم تنظر عبر عدسة الباب، ولم تحل السلسلة! كانت وحيدة في الشقة! وقد قضت الزوبعة على آخر بقايا الحذر لديها وهذا ما سمح للفتاة بالصمود بضعة أيام أخر، هكذا يموت الناس عادة الذين صبّت عليهم اللعنة..».
تدور أحداث الرواية في أجواء غرائبية يلفها الغموض، ويبدو كأن الكاميرا تبث مباشرة من أحد الأزقة الجانبية، حيث إلى جانب عالم الناس المألوف يوجد عالم «الآخرين»، الذين يشملون: السحرة، والمتحولين، ومصاصي الدماء، والشياطين، والمخلوقات الأخرى التي تحولت من الناس، ولكنّها لا تعدّ نفسها منهم. وينقسم الآخرون إلى أنصار النور وأتباع الظلام.
لم يعد الخير في الرواية بمواجهة الشر والصراع معه، ولكنّهما في حالة توازن. ومن أجل الحفاظ على التوازن بين النور والظلام ينبغي موازنة أي تأثير سحري نوراني بآخر ظلماني، وتتم مراقبة هذا التوازن من قبل منظمات تم إنشاؤها لهذه الغاية من قبل العسس – الآخرين.
العسس الليلي يمثل مصالح أنصار النور، والعسس النهاري – أنصار الظلام، وتجري أحداث الرواية على خلفية هذا الصراع.
في الحقيقة لم أكن أتوقع أن تتحدث رواية «العسس الليلي» عن السحر والشعوذة وقوى الشر وقوى النور.. وعندما وصلت الأمور الى مصاصي الدماء شعرت بنفور كبير ووجدت أن الرواية تنحرف عن مسار القيم، فلا هي بالخيال العلمي ولا تقرب إلى الواقعية، وليس لها مكان في واقعنا الفني أو الثقافي ولا حتى بالموروث.. وشعرت بالغرابة كيف نترجم مثل هذه الروايات التي تفتح أبواباً جديدة على الخرافة والبشاعة والقتل وتنشر الرعب في صفحاتها، ووجدت نفسي أدين المترجم أكثر من الكاتب لعدم انتقائه ما يناسب مجتمعنا وأذواقنا، لكن بحثت له عن عذر، حيث ذكر كل من المترجم مالك صقور وشاهر نصر في مقدمة الطبعة العربية لرواية «العسس الليلي» للكاتب الروسي «سيرغي لوكيانينكو»، التي صدرت في دمشق عن الهيئة العامة للكتاب أن هذه الرواية برهان آخر على أنها تاريخ فني للمجتمع الذي تُكتب فيه، ويُفضي الصراع فيها بين قوى الخير والشر إلى توازن في وضع يمور بالتناقضات… وأنها نموذج جديد في مجتمع يشهد تحولاً مزلزلاً وهو يعيد تشكيل نفسه ليتلاءم مع الأنظمة التي تحكم العالم الواقعي، بعد انهيار حلم إنساني أخفق في بناء مثاله المختلف، ويكاد القارئ لا يعرف أن هذه الرواية روسية لولا الأسماء لأنها تمثل انسلاخاً حتى عن تقاليد الرواية الروسية.
وتعد «العسس الليلي» رواية كاتب الخيال والسرد الغرائبي الروسي سيرغي لوكيانينكو، هي الرواية الأولى في سلسلة الأعمال التي تبحث في العالم الخيالي للآخرين، وهي تتألف من ثلاثة أقسام: «مصيري»، و«فرد في جماعته»، و«حصرياً بجماعتي»، وتدخل رواية «العسس الليلي»، و«عسس الغسق»، و«العسس الأخير»، و«العسس الجديد»، و«العسس السادس»، وغيرها من القصص التي كتبها الكاتب وغيره من المؤلفين الآخرين في سلسلة روايات «العسس».