كهف الخمس ليرات..!
أحمل بعض القطع النقدية من فئة الخمس ليرات والعشر والخمس والعشرين والخمسين وحتى المئة.. وغيرها وأجوب بها الأسواق لعلها تقضي لي حاجة؟!
لم أكن أتـوقع هذا المصير المحزن للقطع النقدية القديمة من فئة الخمس ليرات والعشر ليرات وأيضاً الخمس والعشرين ليرة وانتهاءً بالخمسين ليرة.. لم يعد لها أي قيمة شرائية ولم تعد تصلح لشيء وكذلك المئة ليرة والمئتان، بالكاد يتم تسديد بطاقة الركوب في الباص بمبلغ مئتي ليرة داخل المدينة، أما خارج المدينة فترتفع الأسعار ما بين خمسة آلاف وثمانية آلاف من محافظة الى أخرى وأغادر الكراجات مسرعة فقد شعرت بضيق بالصدر!
أما في سوق الخضرة فالمئة ليرة تعجز حتى أن تشتري «جرزة» بقدونس أو كزبرة أو حتى بعض قطع البصل..! وبالكاد تكون المئتا ليرة غير قادرة على أن تحتفظ بمكان صغير لها في سوق الهال والخضار لشراء حتى بعض الحشائش؟!
هل حقاً لم يعد ثمة مكان لغير الألف ليرة، فسعر أقل كيلو من الخضراوات كالبصل مثلاً يبدأ من ألف ليرة وسعر البامياء مثلاً يتجاوز خمسة آلاف ليرة وسعر الباذنجان ونحن في أيام المونة والمكدوس يناور على رصيف الألف ليرة.. والفليفلة الحمراء سعر الكيلو بألفين! وأمضي مسرعة فقد دمعت عيناي!.
لا أجرؤ على دخول سوق الألبسة والأحذية، فالبنطال الجينز يحلق مع الأربعين ألف ليرة والقميص المدرسي المتواضع يقف عند باب العشرين ألفاً والحقيبة المدرسية بثلاثين ألفاً، وأسأل ماذا عن الممحاة والمبراة والمسطرة والمقلمة فأجد أن أقلها بالكاد فوق الألف ليرة حتى المقلمة يقول لي البائع بصوت ضعيف: تسعة آلاف ليرة؟!
وماذا عن الحذاء المدرسي الذي يفوق الخمسة والعشرين ألفاً مع التنزيلات بسبب العام الدراسي.. وأهمهم بصمت ولا ينطلق صوتي!.
هل أذهب الى الكشك القريب لأشتري قطعة بسكويت وربما قطعة علكة.. المفاجأة أقل قطعة بسكويت بستمئة ليرة وكيس الشيبس البطاطا بألف ليرة وعلبة العلكة بثلاثة آلاف ليرة وزجاجة الماء بألف وخمسمئة ليرة!!! وتسقط بعض القطع من بين أصابعي وأقوم بلملمتها وكأنها عمر من الذكريات!
هل ثمة من كان يتوقع هذا المصير المفجع لتلك الفئات النقدية التي لم تعد قابلة للاستخدام إلا في سلم التعويضات كالتعويض العائلي للولد الأول والذي لا يزال مئتي ليرة والابن الثاني مئة وخمسين ليرة والثالث مئة ليرة.. ولعل إغلاق الدفاتر أفضل من فتحها لأنها توشي بالكثير من الغرابة والقهر!.
واليوم ترى من يحتفظ بهذه القطع المعدنية؟! لعل البعض يتركها كتذكار في أحد الأدراج المعدّة للخردة!
أشد قبضتي على القطع المعدنية وألتفت يمنة ويسرة.. أنظر ملياً في الشوارع والأبنية وكل ما يحيط بي أكاد لا أصدق كأنني خرجت لتوي من أحد الكهوف وربما عليّ أن أسرع الخطا بالعودة قبل أن يتم اكتشاف أن بحوزتي علبة معدنية (مكمورة) تعج بقطع الخمس ليرات والعشر والخمس والعشرين والخمسين تلك التي أصبحت منسية!.