الروائي خالد حسيني عرّفنا على أفغانستان.. فهل تفعلها الروايات دائماً؟
منذ نشر روايته الأولى «عدّاء الطائرة الورقية»، ليتبعها خلال أعوام بـ«ألف شمس مشرقة» و«ورددت الجبال الصدى»، نافست شهرة الروائي خالد حسيني سياسيين ومحللين وصحفيين أفغاناً، حيث أتاح للملايين قراءة التاريخ القريب لأفغانستان عبر شخصياتٍ وأحداثٍ ومفارقات، أثارت الرأي العام ووضعته وجهاً لوجه أمام تفاصيل وجزئيات تبتعد عمّا ركّز عليه الإعلام، فلم يكن مُستغرباً استحضار اسمه بموازاة التطورات الأخيرة في بلده، والتسابق لإجراء حواراتٍ معه تستطلع موقفه مما يجري، فهو كما يتردد روائيٌ عرّف العالم بموطنه.
من هنا كان سؤالنا إلى الأديب أحمد يوسف داوود والناقد أحمد هلال: إلى أي درجة يمكن لنا أن نعرف شعباً ما من خلال الروايات المكتوبة عنه أم إن الرواية تقوم على وجهة نظرٍ شخصية لكاتبها، تعنيه هو أولاً وأخيراً؟.
ليست وجهة نظر
يرى الأديب أحمد يوسف داوود في سؤالنا شيئاً من التقييد، فالرواية كما يقول في حديثه لـ«تشرين» ليست وجهة نظر، إنما تقوم على تناقضاتٍ لها أصول واقعية، والكاتب الناجح على حد وصفه يقدم تصوراتٍ متباينة حسب فهمه الظواهر المعالجَة وعلاقاتها عبر الشخوص المتناقضة أو المتفقة، وعندما يصل إلى النهاية يتركها مفتوحة لتساؤلات القارئ.
وفي الرواية التسجيلية لكونها الأقرب للسؤال، يشير داوود إلى أن الروائي يسمع عن وقائع وأحداث لكن بشكل منقوص يدفعه للاستكمال باستنتاجاتٍ يضعها من موقعه البعيد كثيراً أو قليلاً عما حدث، يستعين بتخيلاته أو أفكاره الخاصة أو بمروياتٍ تقال له، وفي كل الأحوال لا دليل على صدقها أو كذبها, يقول: بالطبع المطاعن كثيرة لكن ظلال الحقيقة موجودة في مستوياتٍ مختلفة، ولا يمكن لأي كاتب أن يُلغي تصوراته الشخصية عن ثغرات الكلام المنقول.
عصر الرواية
هذا المزج بين الحقيقي والافتراضي أعطى الرواية حضوراً خاصاً برغم الكثير من الإشكالات, في السياق ذاته يستعيد الناقد أحمد علي هلال محاضرة للروائي الراحل عبد الرحمن منيف في مكتبة الأسد على هامش معرض الكتاب السابع في دمشق عام 1989، يقول فيها: ما وقرَ في الوعي الجمعي الثقافي أن العصر الذي نعيشه هو عصر الرواية، وذلك ليس انتقاصاً من سائر الأجناس الإبداعية على اختلافها، فالرواية هي الأقدر على أن تعكس المراحل الأكثر أهمية في حياة الشعوب، تقرأ أفكار الناس وأحلامهم وطموحاتهم باكتسابها الطرائق والصيغ المختلفة في توجهها إليهم.
ويتابع: إن الرواية يجب أن تكون هي رواية الزمن الذي نعيش فيه، بوصفها أداة لسبر الواقع وفهمه والتعبير عنه، وعنده أن الرواية العربية التي تُكتب الآن هي أقرب ما تكون نحن، وإن لم تكتسب ملامحها الواضحة وخصائصها المميزة.
وثيقة اجتماعية وتاريخية
يوضح هلال لـ«تشرين»: إن الرواية الكاشفة التي ترقى إلى أن تكون وثيقة اجتماعية وتاريخية، هي المعنية بالتعرّف على شعبٍ ما، ويتأتى ذلك باستثمار العناصر المعرفية وتوظيفها بشرط الفن، ذلك طموح الرواية في مراحل تكونها وسيروراتها التاريخية من الغرب إلى الشرق، وفي فضاءاتٍ جغرافيّة مختلفة عن نمط من الروايات اكتفى بالجانب الفلكلوري، واغترب عن سياقاتٍ مجتمعية بعينها بدعاوى الحداثة, بهذا المعنى، كانت الرواية، ومنذ أن تتبعناها في الآداب العالمية معنية بتراث الشعوب، حتى قيل عن ماركيز إنه تعبير عن قارة، يقول هلال أيضاً: أُتيح لي في منتصف التسعينيات أن أطل من خلال عملي في مؤسسة كبرى على سلسلة باهرة كانت تحت عنوان «سلسلة ذخائر الشعوب» .. ومنها على الأقل روايتان هما «مضى عهد الراحة لـ غينوا اتشيبي» و«الحوالة لـ صنبين عثمان»، ومعهما وقفت على شأن الروايات الخالدة في الآداب العالمية إذ تعكس ثقافة الشعوب، لكن بدرجات متفاوتة انتباهاً إلى الغرض الفني وأدوات الرواية وتعلقها بالهواجس النبيلة للإنسان والمجتمع.
عربياً ومحلياً
عربياً، يتحدث هلال عن محاولات الرواية العربية لتكون صورة الناس في تحولات وقائعهم أملاً بأن تُحاكي أحلامهم الكبرى، والمثال الأبرز الرواية (المحفوظية)، كونها أكثر قرباً من الناس بفضاءاتهم الشعبية، وبتاريخهم الذي لا تاريخ له، وذلك عبر العديد من العلامات الروائية الفارقة التي استُثمر فيها الحي الشعبي والحياة الشعبية، فضلاً عما كتبه الراحل صدقي إسماعيل في مدوناته الروائية الكبرى (سيرة آل عمران، الله والفقر)، وغيرهما.
وعلى الرغم من كثافة الروايات التي كُتبت خلال الحرب على سورية عدداً ونوعاً، يلوح السؤال الكبير برأي هلال ليكون (هل يمكن لهذه الروايات أن تذهب أكثر إلى الفضاءات الإنسانية للناس وأن تتمثل حيواتهم وقلقهم وشرطهم الإنساني؟!)، هذا السؤال يجعل تلك الروايات في عين التلقي الفاحص، والاستشراف العابر لزمن الحرب على سورية.