تميزت العلاقات السورية- اللبنانية، على الدوام بما لم تتميز به علاقات ثنائية بين بلدين، فالعلاقات التي تضرب جذورها عميقاً في الأرض والتاريخ والجغرافيا ستبقى تشكل أنموذجاً للعلاقات بين الأشقاء، ليس لأجل المصلحة المشتركة الواحدة للبلدين فحسب، بل أيضاً لأنّ علاقات الأخوّة والتعاون وجدت مرتكزاتها الحقيقية والعملية على أرض الواقع، وجسّدت بإرادة صلبة وثقة متبادلة تطلعات الشعب الواحد في البلدين على أساس وقائع القربى والدم، وتعمّدت بالتضحيات المشتركة في مواجهة العدو الإسرائيلي، والوقوف بثبات لتحقيق الأماني المشتركة لإعلاء الشأن القوميّ كلّه.
علاقات شقيقين بما تحمله من المعاني كلها، فهذه العلاقات كانت ولا تزال علاقات متصلة ومتشابكة، وهذا ليس بالأمر الغريب أو الاستثنائي، فطبيعة البلدين الجغرافية والبشرية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية تتطلب ذلك وتقتضيه بالضرورة الحتمية، وتالياً لا يمكن للبلدين إلا العمل من وحي وهدي هذه الثوابت، ومن يرى غير ذلك يكون كمن ينسف الحقائق ويبغي العمل على أرضية غير صلبة.
لبنان وسورية روح واحدة في جسدين، وجاءت الحوادث على مدى السنوات الطويلة الماضية، لتحمل في طياتها الشهادة بأنّ دمشق وبيروت اسمان في مسمّى واحد، وعندما مرّ لبنان في محن عديدة عرف من هو شقيقه ورفيقه وتوءمه.
ليس من السهل في هذه العجالة أن نقوم بتحديد شامل للتحديات المتعددة التي تواجه البلدين سياسياً وثقافياً واقتصادياً في هذه المرحلة, ولكن باختصار يمكن القول إن التحدي الأساسي والرئيسي لمصير البلدين ووجودهما المشترك يبقى أولاً وأخيراً ذلك المتمثل بالمشروع الصهيوني وبخططه الرامية إلى تحقيق استهدافاته الإستراتيجية بشكل مرحلي وتدريجي, ومحاولاته الدائمة للاستفادة من المتغيرات الدولية، والظروف التي تمر بها المنطقة جراء الحرب الإرهابية لتحقيق هذه الأهداف.
زيارة الوفدين اللبنانيين إلى دمشق خلال الأيام القليلة الماضية فتحت الآفاق أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، بعد عشر سنوات عجاف ألحقت بالبلدين أضراراً كبيرة.
ليس هذا فحسب بل أن ما سمعه الوفدان خلال لقاءاتهما في دمشق لجهة تأكيد سورية على أمتن العلاقات، وتأكيد السيد الرئيس بشار الأسد للوفد الذي ترأسه السيد طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وضم رجال دين وشخصيات سياسية وحزبية بخصوص العلاقات بين البلدين وضرورة عدم تأثر هذه العلاقات بالمتغيرات بل العمل على تمتينها، هو خير دليل على الموقف السوري الثابت والمبدئي والحريص على مصلحة سورية ولبنان معاً.