تأملات في الحدث عودة طالبان (6)

– يتولّى الإخوان -وهو عنوان فضفاض، لأنه يشمل كل فروعها المتناسلة- مهمة الدّفاع عن طالبان، وهنا تكمن الخطورة، حين تكون جماعة لا تملك برنامجاً حقيقياً وهي لما جُعلت له، لا تملك قرارها، تكمن خطورة طالبان ليس في غلوّها الساذج فحسب، بل في قابليتها للتوظيف أيضاً، وهي لا زالت تدور في الفلك الرجعي.

من يختزل الموقف من طالبان في مشاعر الكراهية، يؤكد على أنّ التمجيد الأجوف لطالبان باعتبارها حققت انتصاراً على أمريكا، ينطلق من سيكولوجيا مثقلة بالذُّهان.

– كثر المحللون النفسيون من جيل ترقيص الحقائق على طريقة الإخوان، على الرغم من أنّ محمد قطب قد علمهم أنّ فرويد هو واحد من اليهود الثلاثة الذين خربوا العالم، عشنا ورأينا كيف أصبح خلفهم معجباً بالتحليل النفسي الفرويدي، شريطة أن يجري فقط على خصومهم.

– لا يمكن لقبيلة أن تبني دولة، لا يمكن لدعاة أن يبنوا مجتمعاً، القضية تخصّ مستقبل المجتمع الأفغاني الذي وجب ألا تستفرد به طالبان.

كذلك بإمكانكم أن تعشقوا ليلى، ولكنّ ليلى هي بديل أمريكا في أفغانستان، لا شيء تغيّر. حتى أمراء الأفيون وشبكات التهريب هي نتاج الاحتلال والتّآمر.

يقولون إن طالبان قضت على زراعة الحشيش، لكن هل يوجد تحشيش أكثر من عقل متطرّف وميليشيا تملك السلاح ولا تملك فكرة عن الدّولة- الأمّة؟

– التطوع المجاني للإقناع بمشروع بيع غرري، كالذي يسوق مشروعاً لم يُكتب بعد.

على الأمة أن تنتظر تغييراً ملموساً من طالبان، عساها ترى وتفكر: ثم نظر ثم عبس وبسر.

– ليس هناك من الوقت ما يكفي لننتظر ماذا عساها أن تفعل حركة برّية، ماذا عسى أمة تملك مشروع السيد جمال الدين الأفغاني ورعيل لا يعد ولا يحصى، ماذا عساها أن تأمل من طالبان؟

– هناك انتظارات، وتعبير عن خيبات آمال، فالمراهنون على طالبان والمحاولون تسويقها كمشروع واعد، يعبرون عن خلل نفسي، الوسواس القهري بحثاً عن جرعة تعويض عن فشل تاريخي: عقدة الإخوان هو الفشل في تكوين دولة.

ويبدو أنهم ينتظرون أن يستتب الأمر لطالبان ليرحلوا زرافات، ويفتحوا دكاكين في أرض بور لم تحرث بعد.

وجب دراسة الخطاب أحياناً على أنّه اشتغال مبكّر من باب: احلب حلباً لك شطره.

– يتناول إسرائيل آدم شامير سقوط كابول بالكثير من الابتهاج، حتى أنه يعتبر ما سماه بانتصار طالبان انتصاراً له ولنا، يتحدث عن الأمم كما لو أنّه ناطق باسم المجتمع الأفغاني وسائر الشعوب.

في هذه القراءة يكاد يشبه حماسة الإخوان في المديح والغزل، مع الفارق طبعاً، ذلك لأنه على الرغم من كل ما ذكره يعود ليؤكد بأنّ البطل في هذه العملية هو بايدن.

إسرائيل شامير المناهض للإمبريالية يرى في الحدث تحقيقاً لحلم يهون معه كل شيء. يرى في تلك النتيجة ما هو مفيد للجميع، بل يزيد بياناً: “لا أعتقد أنا شخصياً أنّ أمريكا قد هُزمت أو أن الرئيس بايدن قد ارتكب خطأ. بعيداً عن كل ذلك، إنّ إنهاء احتلال أراض أجنبية هو عمل نبيل، هذا انتصار حقيقي لبايدن، انتصار على الدولة العميقة، انتصار على اللوبي اليهودي”.

– عبر إسرائيل آدم عن موقف إيجابي من بايدن، في انتظار خروج من العراق وسورية، ففي نظره “لم يكن المحافظون الجدد، أسياد الدولة العميقة، ليسمحوا لترامب أن يغادر أفغانستان، تماماً كما أحبطوا محاولاته الخجولة لمغادرة سورية. الآن، يمكن لترامب أن ينتقد بايدن بسبب المشاهد المروعة في مطار كابول، لكن بصراحة لا توجد طريقة ممتعة لمغادرة دولة محتلة، ولا امرأة تعيش معها منذ عشرين عاماً. إذا قررت الذهاب، فاستعد للعديد من الحلقات المشاغبة. كان انسحاب فيتنام قبيحاً أيضاً، لكنه كان القرار الصائب حينها، والآن هو القرار الصحيح أيضاً”.

ويزيد توضيحاً: “كان بايدن محقاً في أمر الولايات المتحدة بالخروج من أفغانستان. لقد أظهر الكثير من الشخصية من خلال معارضته لمناشدات أجهزته العسكرية والاستخباراتية والدولة العميقة بأكملها. يجب أن أعترف بأنني أحترم الرئيس بايدن اليوم أكثر مما كنت أحترمه قبل الانسحاب. (…) كان لديهم هذا الخيار، للبقاء. لكن من دون دعم الأمريكيين. لم تعد الولايات المتحدة تريد أن تكون شرطي العالم”.

– يرى إسرائيل آدم في موضوع علاقة طالبان بالمرأة تضخيماً مفتعلاً، فهو يرى أن الغرابة قد توجد في أفغانستان كما في إنكلترا. قد تكون غمزة بمثابة تحرّش جنسي، يقول: “نحن دائماً أقوى من طالبان”.

– يشير إسرائيل آدم إلى موقف موسكو، وهو موقف واقعي يتعامل مع الفعل، ولذا قال الرئيس بوتين في لقائه مع ميركل: “في هذا الوقت، ليس من مصلحتنا الحديث عن فشل الولايات المتحدة، ما يهمنا هو أن الوضع في البلاد مستقر”.

– لا مساحة في الاختلاف، في مستويات القراءة للحدث، غير أنّ قراءة ظاهرة ملتبسة النّشأة، وخالية من أي فكرة ما عدا تصدير تأويل سطحي عن الشريعة، هو أمر لافت، لكن تبدأ المشكلة في ليّ عنق التاريخ، في العمل الممنهج لاحتواء طالبان إخوانياً لإعادة إنتاج الاصطفافات والكراهية.

– حتى الآن لا أحد يفكّر في مصير أفغانستان، في مجتمعها المتنوع الذي تسعى طالبان للهيمنة عليه وإقصائه، إنّها تؤجّل حمام دم لا يمنعها عنه سوى الخوف من روسيا وإيران، ولأنّ الراعي يدرك أنّ أي خطأ، من شأنه أن يربك المعادلة ويشغل منطقة الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى ويستفزّ الصين.

اللعب بالنار في منطقة قلب العالم. إنّ طالبان قبيلة تريد الحكم، وليس الدولة بمعناها الصحيح. هل سنحكم على العالم بالخوف والجهل كما لو كانت طالبان حمامة سلام ومدرسة عتيدة في علم السياسة.

– الرغبة التي تقود إلى هذا النوع من التبجيل والتمدح بغرائب الأمور، تتجاوز إرادة المعرفة، وهي مجرد صيحة في واد ينتظرها مستقبل طويل من خيبات الأمل. ثمة محاولات عنيدة وغبية تسعى لخلق مماثلة مزيفة بين طالبان وحركات التحرر التي توحّد الشعب على برنامج للعيش المشترك وللعدالة، وهذه تبدأ من الحرص على المشاركة وليس بفرض أمر واقع بمظاهر توحي بالعنف المؤجّل.

– هذا بالتأكيد لا يعفينا من أهمية الانسحاب من أفغانستان، فهو مطلب للشعب الأفغاني، ليس مطلباً يُختصر في طالبان التي يعود تاريخ نشأتها إلى منتصف التسعينيات، لكنه انسحاب ملغوم، وملغوم جدّاً.

– الاحتلال جريمة، والتخلف جريمة، ولا يمكن الاختيار بينهما. إنه عشق ممنوع، أو لنقل حبّ في زمن الكوليرا لغابرييل غارسيا ماركيز، حبّ غارق في الخيال، ككل حبّ، كما هو حبّ التطرفات العميقة التي تكشف عنها الأحداث، مهما طال الزمن، كما عبر فلورينتينو بوفاء بعد مرور نصف قرن على حبّ ممنوع، للسيدة فيرمينا: “فيرمينا.. لقد انتظرت هذه الفرصة لأكثر من نصف قرن، لأكرر لك مرة أخرى قسم وفائي الأبدي وحبي الدائم”. يبدو أنّ هناك من هو أكثر وفاء لطالبان من وفاء فلورينتينو لفرمينا.

كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار