نصوصٌ تُدين نفسها
لزمنٍ طويلٍ مضى وسيأتي، ستجد كلمات امرئ القيس: “قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيبٍ ومَنزلِ” طريقها إلى النقاشات والأبحاث والمواد الصحفية، وفي كلّ مرة سنجد أنفسنا ذاهلين أمام أكثر من سبعين بيتاً شعرياً حصّنت نفسها تجاه تغيراتٍ طالت كل شيء في مهدها العربي أهمها ما لامسَ الذهنية وطرائق التفكير وأساليب الكتابة إلى التحوّل العالمي الأخطر باجتياح العولمة مختلف تفاصيل الحياة، ولعلّ هذه الديمومة هي الأجدر بوصفها “إبداعاً”.. أدبٌ يُدافع عن ذاته، بل ويضع مفردة “التجديد” في مواجهة حقيقية مع سيل المسميات والمصطلحات والأنواع القصيرة في الكتابة.
يزعم كُتّاب اليوم اتكاءهم على الدهشة والابتكار في التواصل مع المتلقي عبر “فيسبوك” و”تويتر” وما شابه من تقنيات ووسائل حوّلت لغة الكتابة إلى ما يشبه الرسائل النصيّة القصيرة، سريعة ومحدودة ومباشرة، تتضمن أحياناً ما يقول عنه أصحابه “معاني مختلطة” تختصر وقائع وأحداثاً وحيوات كاملة، يصعب العثور على ما يميز إحداها عن الأخرى، سواء لجهة أسلوب الكاتب أو الأثر سريع الزوال، حتى إن جدَلَ التسميات بين قصيدة الومضة و”الهايكو” والقصة القصيرة والقصيرة جداً، جعل التعاطي معها مَشوباً بعدم الوضوح، ومع ذلك لا مهرب من الاعتراف بأن الأدب الاستهلاكي ليس إلا شكلاً للتكيّف مع ما آلت إليه الحياة في الطعام واللباس والعلاقات الإنسانية عموماً، واقعٌ فرض نفسه على الكتابة حسب قول عددٍ من النقاد الذين يرون في القدرة على التكيّف إنجازاً يجب عدم التقليل من شأنه طالما أنه يجد سبيله إلى المتلقي في النهاية.
ما يمكن التوقف عنده هنا هو حال الأدب المُتكيّف والمُواكب في زمنٍ قادم .. كيف ستدافع قصائد الومضة والقصة القصيرة جداً عن نفسها، كيف ستبدو المقاصد المباشرة بعد انتهاء وقتها، هل ستنتهي المُجاراة إلى الركود أم ستتحول مجدداً إلى أشكال أخرى، وفي حال أمكن لها التكيّف مرات ومرات فهل سننتهي إلى إرث أدبي مائعٍ محكومٍ بالتلوّن؟. ما يمكن قوله: التجريب والإدهاش والابتكار، مشاريع تحتمل النجاح والفشل، وبكلمات أدق: “الاستمرارية” و”الانكماش”، وفي الحالتين نصوصٌ كثيرة تُدين نفسها.