مشكورة الجزائر -دائماً- على جهودها ودورها الإيجابي اللافت في مسار التسوية الليبية، وفي حلحلة العقد بين الأطراف الليبية.
آخر جهود الجزائر كان استضافة مؤتمر جديد لدول الجوار الليبي والذي اختتم أعماله الثلاثاء الماضي (على أن يكون هناك اجتماع آخر مرتقب نهاية أيلول الجاري في مصر).. وفي تقييمات المحللين والمراقبين فإن مؤتمر الجزائر حقق النتائج الأهم حتى الآن، ضمن مسار طويل من الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات -الإقليمية والدولية- التي عُقدت خلال السنتين الماضيتين.. وفي هذه النتائج كما جاءت في البيان الختامي تأكيد ضرورة سحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية، وضرورة إشراك دول الجوار الليبي في أي مسارات بشأن هذه المسألة (طبعاً إلى جانب تعاون كافة الأطراف الليبية والمؤسسات المختصة لتحقيق الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 24 كانون الأول المقبل، وإنجاز المصالحة الليبية، وتوحيد المؤسسة العسكرية.. وما إلى ذلك من قضايا معروفة للجميع).
المتابع للشأن الليبي ربما لا يجد جديداً في هذا البيان، فالمسائل والقضايا المذكورة هي نفسها المطروحة أمام كل مؤتمر واجتماع، وتكاد البيانات الختامية جميعها أن تكون متشابهة، ولا نجد اختلافات سوى في الديباجة.
قد يكون الجديد في مؤتمر الجزائر أنه تم الاتفاق على ضرورة إشراك دول الجوار في مسألة إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، أي في المحادثات أو المسارات التي يتم إطلاقها بهذا الخصوص، لكن مؤتمر الجزائر لم يجب على السؤال الأهم: من سيُخرج هؤلاء المقاتلين والمرتزقة؟
ننطلق في هذا السؤال من مبدأ أنه إذا اتفقت كل الأطراف الليبية (والجوار) على آلية خروج محددة بالزمان والمكان وبالأسماء، أي بالجهات التي لديها قوات ومرتزقة، فمن سيضمن أن تلك الجهات ستستجيب وتنفذ.. هل سيستجيب النظام التركي وهو المتسلح باتفاقيات عسكرية وأمنية وقعها مع حكومة السراج؟
أيضاً.. كيف سيتم إخراج هؤلاء المقاتلين والمرتزقة إذا كانت هناك أطراف ليبية تستقوي بهم، وتعرف أنها ستصبح خارج المشهد في حال خرجوا؟.. وإذا افترضنا أن هذه الأطراف وافقت على إخراجهم وفق تسويات معينة تضمن لها دوراً ومكاناً، فهل توافق الجهات التي تقف وراء المقاتلين والمرتزقة على إخراجهم هكذا بلا أي مقابل؟.. علماً أن «بعض هذا المقابل» ليس بالقليل، فهو لا يتوقف عن مكاسب عسكرية وسياسية بسيطة بل يريد دوراً رئيسياً.
هنا يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية (وخطورة) وهو من يحدد هؤلاء المرتزقة والمقاتلين، بمعنى هناك جهات/دول، تدعي أن مقاتليها أو مرتزقتها بمنزلة «أصدقاء وحلفاء» وهي تحاجج في ذلك إقليمياً ودولياً لرفض المغادرة.. علماً أن هناك دولاً متواجدة على الأرض الليبية هي فعلاً صديق وحليف، فنحن هنا لا نريد أن نساوي هؤلاء بهؤلاء.. والليبيون أنفسهم يعرفون الصديق من العدو، ولكن المسألة ليست في المعرفة، بل في مسألة أن الخارج هو من يقرر أكثر مما يقرر الداخل.
أخيراً.. في حال وصلت الأمور إلى خواتيمها السعيدة واتفق الجميع على إخراج المقاتلين والمرتزقة بالقوة إذا لم تقبل الجهات أو الدول الراعية لهم إخراجهم، لا بد من سؤال: من سيخرجهم إذا كانت المؤسسة العسكرية منقسمة؟
إذاً، لا يكفي أن تنعقد الاجتماعات واللقاءات وأن تخرج بيانات وردية، لأن العبرة دائماً في التنفيذ.. والعبرة في أن يتوحد الليبيون خارج هذه الاجتماعات -على أرض بلادهم- وليس خارجها فقط.