لم تترك الولايات المتحدة مجالاً إلا واتبعته، في محاولة لإخراج سورية ولبنان واليمن من المجال الحيوي لقوى قارة آسيا الناهضة، والذهاب بعيداً في حروب الجيل الرابع، التي تعتمد بشكل أساسي على العمل بشتى الطرق لتآكل الدول من الداخل.
لجأت إلى دعم الإرهاب، وعمدت إلى العدوان، ووصل بها الأمر إلى فرض العقوبات الشديدة الظالمة والحصار، ولا هدف إلا الدفع باتجاه القبول بأيِّ حلٍّ سياسي يغيّر المعادلات السياسيّة في هذه الدول، بما يَصبّ في مصلحة الاستراتيجيّة الأميركيّة، ومن هنا يمكن النظر إلى ما يجري اليوم في المنطقة من خلال هذا المنظور.
لقد أثار التصريح الَّذي أطلقه الرئيس الأميركي جو بايدن بحقّ سورية، بعد الانسحاب الأمريكي المهين من أفغانستان، واعتبارها –أي سورية- أكثر خطراً من أفغانستان، تساؤلاً عما تخطّط له الإدارة الأميركية لسورية في المرحلة القادمة، وما تعمل عليه من سياسات تدفع باتجاه التأزيم.
تتوالى الوقائع التي ترسم مسار الأحداث القادمة وفق التصور الأميركي، من زيارة رئيس الاستخبارات الأميركية “CIA” وليم بيرنز لـ”تل أبيب”، ولقائه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، ولَم يتسرب سوى موقف وحيد منه، يتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي، وزيارة بينيت إلى واشنطن، ومؤتمر بغداد.
كل هذه التحركات لا يمكن فصلها عن سياق واحد ترتب له واشنطن وتبغي من ورائه محاولة “إعادة ترتيب” أوضاع المنطقة قبل أن تعلن خسارتها الخشنة الثانية في العراق وسورية ولبنان واليمن، بعد الهزيمة المدوية لها في أفغانستان.
مؤتمر بغداد الأخير، كان يمكن له أن يشكل فرصة لتحقيق توافق على توحيد الجهود لحفظ أمن المنطقة، وعدم التدخل في شؤون الدول، لكن هذا لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود أطراف تسعى لتعزيز هذا التدخل عبر أدوات مختلفة..
بمعنى أوضح، إن حلحلة الأزمات، وخفض مستوى التوتّر، في المنطقة، يبدو أنهما سيضعفان مستوى تأثير النظام التركي وأطراف خليجية وغربية، وهذا بدا واضحاً لكل من دمشق وطهران التي أصر وزير خارجية الأخيرة على الحديث بكل شفافية ووضوح في هذا الاتجاه في مؤتمر بغداد.
ما يخطط للمنطقة، لا يمكن مواجهته إلا بمزيد من التنسيق بين دول المنطقة على قاعدة رفض التدخل الخارجي، من هنا تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق، بعيد ساعات من مؤتمر بغداد والمباحثات التي أجراها في دمشق، وتركزت على التنسيق مع سورية في كل ما يتعلق بقضايا المنطقة، وتأكيد الوزير الإيراني أن بلاده كانت دائماً وما زالت تدعو إلى أن يكون التنسيق عاملاً أساسياً في استقرار المنطقة وازدهارها.
خلاصة القول لا خيار أمام دول المنطقة إلا التعاون والتنسيق فيما بينها، أما إذا تطلب الأمر وضع ترتيبات سياسية وأمنية في المنطقة فإن هذا يكون بحضور كل دولها، لكن أولاً لابد من تأكيد معطى أساسي يجب ألايكون محل خلاف، وهو أن وجود القوى الأجنبية في هذه المنطقة لن يساعد في إرساء أمن واستقرار مستدام فيها، وأيضاً رفض أي وجود عسكري غير شرعي، ورفض الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على شعوب المنطقة.