تأمّلات في الحدث

لا حديث اليوم إلاّ عن المآسي، سياسياً وطبيعياً، ثأر السياسة وثأر الطبيعة، حتى ليبدو أنّ ثمة تواطؤ، باتت المهمة أسهل على عشاق نظرية المؤامرة. لا شكّ أن المؤامرة حاضرة بأشكال تحددها موضوعية الحدث، ومع ذلك هناك من يتحدث عن مؤامرات في الطبيعة كما في السياسة.

عاد نجم طالبان يلوح في سماء المنطقة بعد غياب طويل، ترى من أعادهم إلى الواجهة؟ لا شيء في أفغانستان -هكذا علمتنا أحداث المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي- يتم بالصدفة.

لعبت قطر دوراً في لقاء المصالحة بين أطراف النزاع، غير أنّ مخرجات اللقاءات تصعيد انتهى بتطويق طالبان لكابول.. هل هي عملية ضغط لتحسين شروط التفاوض؟ هل هناك من يريد لطالبان أن تعود بطريقة سلسة إلى المشهد؟ هل هذا ثمن الانسحاب؟ أم إنّ واشنطن تكرّم أصدقاءها القدامى.

– شيء ما له علاقة بلعبة الدومينو، وخلف طالبان مآسي قادمة، ستبدأ الحكايا ببيع شعارات التوافق والاندماج وما يوحي بالمراجعة، لقد تعلمت طالبان من الإخوان درس إعادة التموضع ومضغ  شعارات الديمقراطية والشراكة والسلم الأهلي.

الهدف تطويق إيران، وتعويم المنطقة بنماذج قادرة على تنفيذ هذا المخطط. سيرى العالم من طالبان القادمة ما لم يروه منها من قبلُ.

– ستحتوي واشنطن طالبان، أكثر مما استطاعت ذلك طهران، ستكون باكستان عمقاً إستراتيجياً لطالبان، يدرك الروس ذلك جيداً، وهم المعني الأكثر حساسية من عودة التطرف إلى أفغانستان، هل يمكن وضع المناورات المشتركة الروسية- الهندية في سياق التحسب لمستقبل مليء بالمفاجآت؟ هذا أمر واضح، فما يجري في أفغانستان ليس بريئاً، نعم، ستخرج واشنطن ولكن لا بد أن تترك شريكاً، وهي تدرك أنّ الأقوى من كل هذا الطيف الأفغاني هو طالبان.

ما يجري في هذه الأرض المحروقة له علاقة بمستقبل الحرب الباردة المستأنفة، هذه المرة يتعلق الأمر باستهداف روسيا وإيران.

– بعد حرب قادها حزب النهضة في تونس ضد الرئيس قيس سعيد، ها نحن أمام دعوة إلى اتخاذ ما سموه سابقاً بالانقلاب، فرصة للإصلاح، محاولة للانفلات من المحاسبة، وكأنهم غير معنيين بسياسة الاستثناء التي انتهجها الرئيس لإيقاف المدّ الإخواني في مؤسسات الدولة. ليس ذلك نهجاً جديداً، بل تلك طريقتهم. هناك دول تراهن على الإخوان وأخرى تناهضهم.

– لا زالت واشنطن في حاجة إلى الإخوان، لا يمكن أن تحكم طالبان أفغانستان وحدها، لا زالت خطة “باء” لم تنكشف كلها، ولكن الإخوان عائدون، ولكن هذه المرة على دبابة أمريكية. وحتى ذلك الوقت هناك من يقدم لهم مقويات الانتقال للمرحلة الثانية. يخربون بيوتهم بأيديهم.

– هناك من يشمخ بالنضال، وهناك من ينحدر بمكتسباته، هل هو تواضع؟ لا، هناك عناد وكبرياء في تشخيص الأوضاع، هناك لا مبالاة وتفكير لا يتجاوز أرنبة الأنف، هناك أوهام كثيرة ستولد منها مأساة الغد.

– لم يعد هناك أقرف من أن تنصت للإعلام، لا نكاد نرى إلاّ ما يصيبك بخيبة الأمل، أفضل أن أتابع ميكي ماوس، حيث الطفولة مكللة بجمالية الصورة والذكاء.

– لا أحد يهتم بأبطالنا في وسائل الإعلام العربية/ الشقيقة، نحصد ميداليات ذهبية وبطولات عالمية، وتمر مرور الكرام، نرصد هذا منذ زمن بعيد، أهو الحقد أم الاستهتار أم التجاهل؟ لا يحدث هذا مع الآخرين، ثم نتساءل باستغراب: لماذا يتراجع لدينا الشعور القومي.

– باتت النورستينيا في ذروتها، لا أحد له القابلية أن ينصت أو يفكّر، الكلّ مأخوذ برقصة المناديل، وكما كان متوقّعاً، فلقد حصل المكروه، وتلك مقدّماته ليس إلاّ، وسنشغل أنفسنا ببلاغاتنا، وككل مراحل انهزامنا، سنكشف عن مهاراتنا في شعر بلا قافية.

– حينما أقيس طلائع العرب الأكثر صريخاً في هذه البيداء مقارنة بحجم المأساة، أشعر بخيبة الأمل. الخصوم يضعون مداميك الغد، ونحن نزايد كالأطفال المشاغبين على بعضنا، العرب لا زالوا لم يستوعبوا حتى اليوم مأساتهم.

– لا زال التحليل السياسي عندنا أشبه بلعبة تزلج على الجليد، المناورة، المفارقة، النّط، تصفية الحساب، الاختزال، هذا الذي نرى ونسمع يؤكد أنّنا في وضعية باتولوجية.

– لم يدرب العقل العربي نفسه على الإبداع حتى في الأزمات والحرب والجائحة، إنه يكرر ذاته، يشجعك على الاستقالة، يدفعك إلى أن تلعن السياسة ومن تسوّس فيها، بدا لي أنّ الأمر تجاوز أن يكون معضلة إثيقية، بل هو اليوم معضلة إستيتيقية.

كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار