بحر المواجهة
رغم أنها ليست طرفاً في أي نقاشات حدودية في بحر الصين الجنوبي، كما أنها ليست طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار إلا أن واشنطن تواصل حشر نفسها بعدة وسائل في تلك المنطقة التي تعد من أهم الممرات المائية العالمية مستهدفة بكين بشكل مباشر عبر تصعيد إجراءات المواجهة معها.
وبدوافع سياسية بالكامل حركت واشنطن جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة ضد بكين لتتحدث عما زعمت أنه أعمال استفزازية غير قانونية من بكين، كما قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي الذي ذهب بتوصيفه أبعد من ذلك بالقول: “إنها إجراءات ترهيب الدول الأخرى التي تدخل بشكل قانوني إلى مواردها البحرية والبلطجة عليها”.
بكين ردت بوضوح في الجلسة ذاتها على مزاعم بلينكن، وقال نائب مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة داي بينغ: إن الولايات المتحدة أكبر تهديد للسلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، واصفاً ضجيجها في مجلس الأمن بأن دوافعه سياسية بالكامل.
وأضاف: إن الوضع في بحر الصين الجنوبي مستقر بشكل عام، وإن بكين تبذل جهودها للتوصل إلى مدونة سلوك خاصة بالبحر مع الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (أسيان).
لم تظهر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن تغييراً في نهج سلفه دونالد ترامب بل عكس ما قال مراراً لم يتجه لتخفيف حملاتها على الصين بل ضاعف ما يمكن تسميته بإجراءات المواجهة ضد بكين وبحر الصين الجنوبي مثال بارز لذلك.
الاهتمام الأميركي بتلك البقعة المائية له خفايا اقتصادية وسياسية، اقتصادية لكون بحر الصين الجنوبي غني بالثورات من نفط وغاز إضافة إلى احتوائه ١٢ بالمئة من مصائد الأسماك في العالم، كما أنه طريق أساسي لسفن الشحن العالمية حيث تمر به ٣٠ بالمئة من تجارة تلك السفن.
أما السياسية تتلخص بعدم توقف واشنطن عن سعيها للسيطرة على بحار العالم ومحيطاته بما يضمن لها محاصرة القوى البحرية وإغلاق الملاحة بوجه الدول الأخرى على أمل تمكنها من قيادة العالم وهو أحد أبرز مطامعها في بحر الصين الجنوبي. وعليه لا تكتفي واشنطن بمنع الدول المنافسة من منازعتها في مناطق نفوذها، بل تحاول احتواء قوة هذه الدول حتى في المناطق البعيدة عنها لوأد مشروع صعود قوى عالمية منافسة لها، وحتى الآن أخفقت بتحقيق ذلك رغم كل الحروب المعلنة والخفية ضد الدول وأبرزها الصين.
العملاق الآسيوي يتحرك وفق القوانين والاتفاقات المعمول بها بتلك المنطقة إلا أن واشنطن تحاول اللعب على النزاعات أو الخلافات الحدودية بين دول تلك المنطقة وتغذيتها باستمرار لاستثمار تلك النزاعات لتحقيق تفوقها المأمول.