الفخ الأفغاني.. من سيقع به أولاً

كما كان متوقعاً، فإن ما يقرب من عشرين عاماً من القصف الأمريكي والاغتيالات لزعماء حركات متشددة في أفغانستان، لم ينتج “ديمقراطية” بمعايير أمريكية تعتبره واشنطن إنجازاً يُفتخر فيه، أو حتى حكومة قوية تشير إليها بالبنان أمام المجتمع الدولي، فمعايير الهزيمة واضحة وهي أن محصلة تحقيق الأهداف الدعائية الأمريكية هي صفر.

الانسحاب الأمريكي دفع بالحركات المتشددة إلى التمدد بسرعة تثير التساؤلات عن عمل 20 عاماً للقوات الأمريكية التي خلفت حكومة أفغانية ضعيفة، لم تستطع الصمود بوجه حركة طالبان المتشددة والتي حاربتها -حسب الزعم- واشنطن لعقدين.

أفغانستان ممزقة والتشرذم اليوم صفتها، فالأحداث الجارية فيها تكشف أن الانسحاب “المتسرع” للولايات المتحدة الأمريكية من ذلك البلد المضطرب، يتعدى مجرد انسحاب تكتيكي للقوات، ولا يبدو أن واشنطن تركت تلك المنطقة الإستراتيجية لأعدائها، بل عينها عليها وتراقبها من بعد، بعد أن فشلت في جعلها حصناً في وسط آسيا يستهدف مصالح دول الجوار وخاصة روسيا والصين وإيران.

واشنطن تريد من هذا الانسحاب أن تتحول أفغانستان إلى فخ لاستنزاف وجر كل من الصين وروسيا إلى هذا المستنقع، لأن في حساباتها أن كلاً من بكين وموسكو ومهما حاولتا عدم الانخراط في اللعبة الأمنية سيضطران إلى الدخول إلى قلب الصراع، لأن الأمن في آسيا الوسطى يؤثر سلباً أو إيجاباً على دول غير صديقة لأمريكا، وتضعهم في رأس قائمة أهدافها وخططها العسكرية.

حتى الآن لا يمكن الحكم على خسارة أو ربح واشنطن، فالنية الأمريكية المبيتة لوسط آسيا، هي الإبقاء على أفغانستان مصدر قلق وتوتر ومشاغلة لبكين وموسكو، وهذا بحد ذاته يشكل هدفاً أمريكياً إستراتيجيا طويل الآجل.

الحسابات الروسية والصينية ليست مختلفة كثيراً، فالمنطقة حساسة لكليهما وإن حاولتا بداية أن تكتفيا بالتفرج، إلا أن المنطقة لا يمكن تركها للمتشددين، مع تخوفهما من جعلها منطقة استقطاب للإرهابيين من كافة دول العالم، فلبكين وموسكو وحتى طهران أعداء، ولديهم خيوط ارتباط مع كل الجماعات الإرهابية في العالم، ولهم تجارب وخبرة في هذا المضمار.

أفغانستان حلقة مشتعلة، في عقد طويل يكمل بؤر التوتر التي ترتكز عليها واشنطن، والتي تكمل  تطويق الصين من جهة وروسيا من جهة أخرى، كما وتؤذي إيران.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار