تونس تصنع الحدث.. شعارات زائفة لتشويه قرار الرئاسة

لو كان الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتوراً كما وصفه قائد البروباغاندا الإخوانية أبو يعرب المرزوقي، لكان قد زجّ بهذا المتطرف المسيء في السجن، ذلك لأنه استعمل في حق رئيس منتخب أوصافاً يجرمها القانون. ولكن، كان سعيد يدرك أنّ هناك توزيعاً عادلاً للطبيعة، فالأسود لا تنبح.

إن كان قيس كما يقولون يخرق الدستور، فلقد دعا الإخوان من خلال “الصّالوبّار” المرزوقي إلى عزل قيس، ثم لا ندري ما هي هذه الطرق القانونية التي دعا إليها لعزل رئيس منتخب بأغلبية ساحقة؟ بل لقد كشف المرزوقي ومن ورائه الإخوان، كيف أنهم لا يتمتعون باللياقة الديمقراطية، لأنهم ما فتئوا يسخرون من الأغلبية الشعبية التي انتخبت قيس سعيد.

ما يزعج الإخوان، وفي مقدمتهم سفيه الفلاسفة وفيلسوف السفهاء، أن سعيد رفع شعار مناهضة التطبيع حيث ساهم الغنوشي وفريقه البرلماني لإسقاط مشروع قانون تجريمه. لقد تجاوز سعيد البرلمان الذي احتله الغنوشي وزمرة الإخوان وتعاطى مباشرة مع الشعب.

فالديمقراطية الشعبية تزعج تيار الإخوان، لأنه بات خبيراً في استغلال اللعبة الديمقراطية التمثيلية، والتي لا تكون كذلك حتى تكون الدولة والمؤسسات مستقرة.

ومن هنا، لجأ الدجال أبو يعرب المرزوقي لتهمة ثقيلة، تقول بأن قيس سعيد التقى مع مسؤولين إسرائيليين في القاهرة.

محاولة من دون دليل -حديث غريب- كان يستحق عليه المساءلة والمحاكمة فيما لو كان بالفعل قيس ديكتاتوراً، محاولة احترفها الإخوان في كل الساحات العربية الممتدة وتقوم على إستراتيجيتين:

– استعمال القضية الفلسطينية واحتكارها، حيث إذا وجدوا من يناصر القضية خارج دكاكينهم، حاربوه بالوشاية والتشويش والتشويه، يحصل هذا عندنا أيضاً.

– المزايدة على خصومهم بالنضال الممسرح، حتى باتوا في غفلة من الزمن السياسي مدافعين عن الديمقراطية بعد أن أدركوا لعبة الصندوق والتقطيع وآليات التسلل من ثغرات العمليات الانتخابوية بتحريك المال الانتخابي وتزييف الوعي واستعمال الدين في ضرب من الميكساج والتحالف بين المال، والتدين السياسوي الزائف والمافيا والتمكين الخارجي: إمبريالياً ورجعياً.

في حالة قيس، لم يعد بإمكان منتحلي شخصية النضال اللاّتاريخي من أجل الديمقراطية ولا حتى من أجل فلسطين، أن يستمروا في المسرحية. فالكل يعلم كيف أن الغنوشي قبل أن يخوض في اللعبة مرّ من إيباك خطيباً مفوهاً، كما فعلت فصيلته من الإخوان في كل البلاد العربية، وكيف أسقطوا مشروع قانون تجريم التطبيع، وكيف كانوا “حمار” طروادة لصديقهم برنار هنري ليفي، وكيف أن أبا يعرب المرزوقي لم يحدثنا عن زعيم الباب العالي وهو يضع إكليل الزهر على نصب هرتزل، هذا في الوقت الذي يصفه بمعاوية الثاني، بل إن أبا يعرب المرزوقي سبق في جلسة خاصة مع بعضهم ودعا للحوار مع الاحتلال.

يصعب إدانة الإخوان لأنهم مردوا على قلب الحقيقة، فهذا أبو يعرب المرزوقي يواصل دجله، ولم يكن قيس سعيد هو وحده من نالته هذه الإشاعة من دجّال متفاكر، بل إن أبا يعرب سبق واتهم محوراً كاملاً بالتحالف مع الاحتلال، في وقاحة لا مثيل لها في تاريخ الخطاب. إن الإخوان اليوم يختبؤون خلف أمرين وجب تمزيق هذا الحجاب الذي يتوارون خلفه:

-القضية الفلسطينية والمزايدات على المناضلين الحقيقيين، لأنهم يدركون أنه من دون ركوب هذه القضية لن يكون لهم مكان في المشهد السياسي.

– الدفاع عن الشرعية والديمقراطية، مع أن تدابيرهم لا تستند إلى الشرعية، بل إلى لعبة الغلبة والشوكة التي تتيحها ديمقراطية هشّة لا تستطيع التحرر من ديكتاتورية المال والتمكين التي تحققت للإخوان عبر التحالف التاريخي مع المافيا.

سيحاول الإخوان قيادة حملة ضد قيس سعيد والقوى الشعبية المساندة له، عن طريق تصويره كخارق للدستور وكمطبع في السر، وستعمل وسائل الإعلام الحليفة لهم على المضي في هذا التشهير، هذا مع أنّ المسألة اليوم في تونس واضحة جدّا: هناك استغلال للهشاشة في استغلال آليات الانتخاب في تخريب أسس الدولة التونسية ضمن مخطط إخواني بعيد المدى. قضية تعيها شريحة واسعة من الشعب التونسي وقياداته، وأمام التنظيم المحكم للإخوان والذي ترعاه قوى دولية وإقليمية، سيكون المطلوب هو جس نبض روح الدستور نفسه، ولا قوة تستطيع أن توقف الطابور الخامس سوى الجيش الذي من مسؤوليته الاستجابة للموقف الشعبي وقرار رئيس لم يسقط سهواً بل هو يمثل أغلبية الشعب التي انتخبته على الرغم من كل المحاولات التي قام بها تيار النهضة للإطاحة بقيس سعيد.

سيدرك كل من راهن على الإخوان وحلفائهم من المافيا ومحترفي النضال بالمراسلة، بأنهم ورطوا أنفسهم في رهان خاسر.

المعركة في شمال إفريقيا مع الإخوان ليست نزهة، وهم ضعاف لن ينفعهم التمكين، ومنافقون إلى حدّ قلب الحقائق. ما يجري في تونس هو ثورة في الثورة، ثورة تصحيحية بعد أن باتت تونس مرتهنة للوصاية من الإخوان ومن ورائهم، ممن يعتقدون أنّ تونس ستكون لقمة سائغة لمخططات الرجعية والباب العالي وتيار الحقد الظلامي. انظر أن أولى الاحتجاجات والرفض جاءت من حلفائهم.

بما أنّ قيس هو bête noire “الوحش الأسود” بالنسبة للإخوان، فلا بدّ من مساندته والعمل على إنجاح مهمته، التي هي مهمة إنقاذية بامتياز لكل من الدولة، وكرامة الشعب، وروح الدستور، وقيم الثورة، ومستقبل تونس..

كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار