احتيال أمريكي
رغم التوجهات الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ولاسيما تجاه شرق آسيا، تبقى لمنطقتنا أهمية في السياسة الأمريكية وإن قلت عن قبل أو حاول البعض التقليل من هذه الأهمية، فأمريكا لا يمكن أن تُخرج المنطقة من حساباتها أو تكون خارجها وإن لم يكن وجودها بشكل مباشر فالبدائل موجودة عبر أذرعها وأدواتها.
في العراق، وقعت أمريكا اتفاقاً ينهي رسمياً المهام الاحتلالية “القتالية ” لقواتها بنهاية 2021 ، لكن في المقابل يتحول دورها إلى دور “استشاري والمساعدة” في مجال التدريب و”مكافحة” تنظيم “داعش” الإرهابي، في مناورة واضحة للالتفاف بأي طريقة على موضوع الانسحاب من العراق، فإرغامها على الانسحاب تحت ضغط المقاومة، دفعها لحفظ ماء وجهها عبر دور استشاري.
ما طبيعة هذا الدور؟ ثم إن المساعدة الأمريكية لتدريب القوات العراقية لأجل ماذا؟.. في الحقيقة الدور الأمريكي الجديد غطاء لأدوار مشبوهة، ضد المقاومة العراقية خصوصاً ومحور المقاومة بشكل عام، فلن يكون هذا الدور موجهاً لخدمة العراق وأمنه واستقراره، فأمريكا لم تجلب إلا الدمار والخراب، ولن يكون بالتالي للقضاء المزعوم على “داعش” فهذا ليس في الأولويات، بل على العكس تقوية التنظيم الإرهابي وتعزيز تواجده هو ما تعمد إليه أمريكا لإعادة قواتها تحت هذه الذريعة بعد مرحلة الانسحاب.
هو تحايل أمريكي لاستمرارية البقاء بأي شكل كان وبذلك نجد أنه ليس انسحاباً بالمعنى الفعلي، وإن جادل البعض بالإشارة إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فبمقارنة بسيطة نجد الفرق، ففي أفغانستان تأتي تركيا لتكون البديل والذراع الأمريكي، وهناك حركة “طالبان” التي تعزز مواقعها، إذ سيطرت على مساحات واسعة من البلاد، ومحاربة أمريكا لها خدعة، بل على العكس من خلالها تستطيع واشنطن زعزعة استقرار إيران والصين وروسيا.
في حين أن في العراق لا يوجد البديل لأمريكا، صحيح أن هناك تنظيم “داعش” الذراع الأساسية، لكنه في هذه المرحلة ليس كافياً كما “طالبان” في أفغانستان، لاسيما أن التنظيم الإرهابي يتواجد في بعض الثغور وعمليات الجيش العراقي ضده مستمرة.
دول المنطقة مستهدفة باستمرار لعدة أسباب مجتمعة، جغرافية وسياسية واقتصادية، إضافة إلى السبب الأهم حماية الكيان الصهيوني المحتل، لكن حركات المقاومة اليوم هي التي تصنع الفارق باستمرار مقاومتها حتى تحقيق مطلب إنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة بشكل قاطع.