نص بصري عالمي
طويلاً سيذكر العالم رسم الكرة الأرضية مرتديةً كمامة، ليس لأن الرسم يختصر ذهولاً جماعياً أمام جائحةٍ حصدت أرواح الملايين وفرضت عزلةً مُشددة غيّرت شكل الحياة، فحسب، بل لأنه يُعلن أيضاً إجماعاً عالمياً تجاه حدثٍ ما، موقفٌ- إن صح التعبير- نادراً ما يلتقي عنده البشر على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، فمع تباين الآراء وتعدد النظريات حول نشأة فيروس كورونا، كان العالم بأسره يصرّ على ضرورة الالتزام بإجراءات وقائية.
في الحدث نفسه ظهرت رسومٌ مشابهة بين الكاريكاتير والرسوم التوضيحية والتوعوية، تُوجز في مضمونها كماً كبيراً من المعلومات والإرشادات برغم بساطة شكلها ورموزها المُستخدمة، في إحداها يُحيط الأطباء بالأرض إشارة إلى تضحياتهم الكبيرة في مواجهة الوباء، وفي أخرى يقف العالم على رجلٍ واحدة مرتبكاً أمام أعداد الإصابات المرتفعة، إضافة إلى مجموعة من الرسوم تُظهر مراحل الإصابة بالمرض من ارتفاع الحرارة والسعال إلى الاستعانة بأسطوانة أوكسجين.
يُعرّف المختصون الرسوم التوضيحية بالصور الناقلة للمعلومات، والتي يمكن من خلالها شرح البيانات الإحصائية وغيرها من المعلومات المهمة الواجب نشرها باستمرار بدقة وسرعة ووضوح، هذا في المواضيع العلمية والاقتصادية والاجتماعية، من دون أن ننسى دور الرسوم التوضيحية في التعليم، لكن أحد التعريفات يذهب للقول إنّ الرسم التوضيحي نصٌ بصريٌ تشكيلي يُعادل آخر مكتوباً، لذلك يُفترض ألّا يقلّ عنه تماسكاً وأهمية، إن لم يتفوق عليه إيجازاً وقدرة على الجذب والتوجيه، وهو ما ينسحب على الصور في المواد الإعلامية.
وعلى أهمية نشر الرسوم التوضيحية كنصوص بصرية موسمية تتوزع في المؤسسات والشوارع بموازاة العديد من المناسبات الاجتماعية كحملات مكافحة التدخين وتعاطي المخدرات والتذكير بلقاحات الأطفال وما شابه، لا يبدو أنها تخضع للتحديث أو إعادة النظر، ففي العديد منها رسوم مُستهلكة ومُنفّرة، لكثرة تكرارها وعجزها عن مجاراة الإغراء والإبهار في عالم الصور والشاشات، عدا عن أنها تعكس تنفيذاً مُستعجلاً وضعفاً في الابتكار وعدم إدراك في العموم لقدرتها على تمثّل أي حدث سياسي أو اجتماعي أو فني أو غير ذلك، ونقله إلى مفردات بصريّة مكثفة وواضحة، تُثير العين وتُحفّز الفعل وتصل المتلقي بسهولة.