أمريكا أمام مفارق متصدعة
تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن الساحة الدولية تعج باللاعبين الكبار، منهم من استعاد قوته ومنهم من صعد بقوته الخاصة الجديدة، كما تدرك أكثر من غيرها عناصر قوتها التي تمتلكها والأخرى التي فقدتها مع مرور الوقت.
إشارات الوهن الأمريكي يمكن تلمسها في داخلها من خلال ضعف الحس الجمعي للأمريكيين ومظاهر الصراع الشرس بين الحزيين الرئيسين “الديمقراطي والجمهوري”، وخارجياً فقدانها للسيطرة على تطورات المجريات العالمية، وتخبطها السياسي والعسكري.
الإدارة الحالية ورثت تركة ثقيلة من الإدارات السابقة، لكن جل ما تفعله يأتي في سياق إبقاء أمريكا في موقع الهيمنة لوقت إضافي، لذلك تسلك مسار التضليل على المستوى الداخلي وأغلبه يتمحور حول “عظمة الأمة الأمريكية”، وعلى المستوى الخارجي التلويح بالعقوبات ومحاولات ترهيب الدول تارة، وبالحروب تارة أخرى مع الإشارة إلى أنها أبعد من أن تخوضها مباشرة، وتكتفي حاملات طائراتها بالاستعراض -تحتل المرتبة الأولى بامتلاكها وقوتها بلا منازع- في بحار العالم وبخاصة في بحر الصين والأسود والمتوسط.
أمريكا تواجه الوضع الجديد على الساحة الدولية، لذلك تخضع نفسها لمسارين داخلي وخارجي، مع توقع المخاطر الناتجة عن ذلك، فعوامل تآكل قوتها مرتبطة بالداخل كما الخارج، ومعالجة كل ملف محكومة بحدين لابد من ابتلاعهما معاً أو أن تقبل بأن تذوي بهدوء.
داخلياً من خلال شد العرق الأبيض وشحذ هممه، مع توقع ارتفاع الموجات العنصرية والمواجهات في الشوارع، وفي الجانب الاقتصادي، المحافظة على الصناعة الأمريكية وحمايتها من خلال منع الاستيراد وخاصة من الصين، ما قد ينتج عن ذلك فروق طبقية وتداعيات واضطرابات أمنية خطرة.
وخارجياً، لا يمكنها عمل الكثير، سوى تصعيد التوترات في شرق آسيا والبحر الأسود والشرق الأوسط، لأنها تقف عاجزة أمام نهضة الصين الاقتصادية والعسكرية، واستعادة روسيا قوتها ونفوذها، إضافة لدول عظمى إقليمية وأبرزها الهند وإيران وكوريا الديمقراطية والبرازيل وإفريقيا الجنوبية وغيرهم، تنحو نحو تشكيل تكتلات اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية بالاشتراك مع الصين وروسيا، ما يشكل عوامل ضاغطة إضافية على واشنطن.
الهيمنة الأمريكية على مفارق متصدعة ومتآكلة، ما يدفع أمريكا للبحث عن شركاء فعليين تراهم نداً لها غير تابعين ينفذون سياساتها ويحمون مصالحها مكرهين.