في مسابقة النحت على الخشب.. لكل «بورتريه» حكاية
وجوهٌ تتفلّت من الأعناق، ترفض تراتبية الجفن والعين، تتطاول وتستدير، كأنها تُعيد تشكيل ذاتها كما تريد، تاركة للمتفرج حرية التأويل وتوقع ما تُخفيه من حكايا وأوجاع، عايشتها منذ كانت أرواحاً في الأشجار إلى أن صاغتها أيادي النحاتين على شكل (بورتريهات) اصطفت في قلعة دمشق، حيث أقام المعهد التقاني للفنون التطبيقية فعاليات مسابقة النحت على الخشب (فن البورتريه) مؤخراً بمشاركة (18) نحاتاً، ابتعدت أعمالهم بمعظمها عن تقاسيم الوجوه وأجزائها الطبيعية، ليكون لكل منها حضوره الخاص.
قدّم ربيع خليل عملاً من خشب الصنوبر، ابتعد فيه عن تجسيد شخصية واحدة، مفضلاً الاشتغال على ما هو أكثر شمولية، ومن هنا كان عمله المُسمى (همّ)، توليفة من الخطوط المنكسرة الحادة كتلك المرسومة على وجوه الناس في الشوارع.
يقول خليل: لدينا ألف همّ، ولا مبالغة أبداً، البورتريه يختصر حالنا جميعاً، كل ما فينا مكسور وحزين.
في منحوتة أخرى، لفتتنا ملامح ضخمة لنصف وجه من خشب الصنوبر. تشرح يارا الزاقوت عن عملها: النصف له علاقة بالكمال، الكل اليوم مهووس بمقاييس الجمال، الألوان والفلترات وتطبيقات التجميل على الموبايلات وغيرها، حقيقة الإنسان يتمتع بالكمال حتى لو كان مجرد نصف، لا أحد يشبه الآخر، ولا يُفترض أن نسعى لذلك.
بدورها اختارت حنان الحاج كرة ضخمة من خشب الكينا، حمّلتها ملامح متناقضة بين الغضب والحزن، بدت أقرب للكاريكاتير بابتسامتها الساخرة. توضح الحاج: الشكل المائل للمنحوتة ساهم في تعدد إيحاءاتها، والقبعة على الرأس هدفها خدمة التوازن، ولو بحثنا في ذواتنا لوجدنا خليطاً غريباً من المتناقضات.
النحات أكثم عبد الحميد، واحد من أعضاء لجنة التحكيم، تحدث عن خصوصية الخشب كمادة نبيلة، تمتاز بالديمومة وتعدد أنواعها تبعاً لفيزيولوجيتها وتكوينها، بعضها يمتلك أليافاً متماسكة، تختلف طريقة التعامل معها عن تلك الخالية من الألياف، كخشب الزيتون مثلاً وهو صاحب شخصية وبُنية تختلف عن بقية الأنواع، يُفضل أن يتمتع بشيء من الرطوبة قبل العمل عليه، من دون أن ننسى أن الخشب ينتمي إلى روح مثمرة معطاء، لذلك يجب الحفاظ على الحياة التي كانت فيه بتحويلها إلى مشاعر جمالية يتفاعل معها الناس.
أما عن الأسس المعتمدة لاختيار الفائزين في المسابقة، يقول عبد الحميد: اعتمدنا على جودة التكوين، احترام مادة الخشب وشخصيته، أيضاً تهمنا الفرادة ونظافة السطوح تبعاً للمفهوم النحتي وعلاقته بالإحساس.
فاز في المسابقة ربيع خليل أولاً، وحنان الحاج وسيزر مارديني في المرتبة الثانية، وإسماعيل هابيل ومناف حسن في المرتبة الثالثة.
ومن الفنانين المشاركين: لؤي مصري زادة، زوزان حجي، فجر سلوم، جوانا ايزولي، ريم الدهان، كارولين نعمة، يمنى برهوم، محمد الخياط، يامن عثمان، منى عكاري، باسل تركية، جوان شعبو.
تصوير- صالح علوان