تسمية الأشياء بمسمياتها
لم تأتِ مخرجات مؤتمر برلين 2 حول الأزمة الليبية ، بما يلبي ما يتطلع إليه أغلبية الليبيين ، ولاسيما بخصوص وضع حدٍّ للتدخل التركي السافر، وكذلك قضيتا المرتزقة والسلاح ، وهما عقبتان تؤرقان الليبيين وتجهضان مساعيهم السياسية والتوافقية ..
لقد حاول المعنيون في المؤتمر تفكيك أطر الأزمة الليبية، عبر قرارات، عدّوها بداية لحل إشكالية معقدة، وتركز أغلب هذه القرارات حول حظر الأسلحة المتدفقة إلى ليبيا ، ووقف إرسال المرتزقة للقتال بداخلها، إلى جانب تفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها، وضرورة التوصل إلى صيغة متوافقة لوقف إطلاق النار مع تمديد القرار الأخير بشأنه، وتقويض تدخلات جميع الأطراف الدولية في الشأن الليبي، وخاصةً تركيا.
قرارات لا يمكن التقليل من أهميتها ، لكنّ المجتمعين ، لم يحددوا عقوبات للمنتهكين، ويبدو من التصريحات المتعلقة بهذا المؤتمر حول المتابعة والمراقبة، وجود تخوفات بشأن مضي نظام أردوغان الذي لم يلتزم بقرار حظر الأسلحة رقم 1970، ويخالف جهاراً و نهاراً هذا القرار المتعلق بحظر توريد الأسلحة، أو المعدات العسكرية لليبيا، إضافة إلى مضي هذا النظام بإرسال المزيد من مرتزقته للقتال مرة أخرى في ليبيا من دون عقوبات واضحة.
من السهل توصيف الأزمة الليبية ، وتحديد أسبابها والأطراف المشاركة فيها والعوامل التي أفضت إلى استمرارها حتى الآن، لكن ليس من السهل تبنّي خطوات تنفيذية وعملية لعلاج أوجه الخلل لتستقيم التسوية السياسية، فالهوّة شاسعة بين الوصف والتطبيق.
لم ينخفض عدد المرتزقة منذ مؤتمر برلين الأول في كانون الثاني من العام الماضي، وزادت الأعداد بشكل كبير أمام أعين المجتمع الدولي، ورأى الجميع تدفق المقاتلين الأجانب على ليبيا وصمتوا، وطرب آخرون لتسفيرهم، وفي الحالتين لم يدخل هؤلاء ليبيا سراً أو هبطوا عليها من السماء ، ولم يتم تطبيق قرارات مجلس الأمن .
إن آلية جديدة لتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين في المستقبل، لابدّ أن تصطدم بالطموحات التركية وحظر السلاح والتدخل العسكري في البلاد..الجميع بات على قناعة بأن أنقرة تعدّ المصدر الأساس لزعزعة الاستقرار في ليبيا وفي المنطقة بأكملها، فإن تقييد طموحها بشكل صارم، ربما سيفرِّج كثيراً عن الأزمة الليبية، وسيمنع دعمها للميليشيات، أو ربما سيعرّضها لعقوبات قاسية وحقيقية، في حال عدم الانصياع، أو انفلات القدرة في السيطرة على الميليشيات.
المشهد الليبي معقد، وهذه حقيقة يدركها مؤتمر برلين بنسخته الثانية ، كما يدركها الليبيون ، لكن مجرد التحفظ التركي على توصيات المؤتمر، يعني أن الرسالة الدولية وصلت إلى أنقرة وبات الأمر تالياً بعهدة مجلس الأمن حيث ستعرض مخرجات المؤتمر عليه ومن المتوقع أن يصيغ قراراً قانونياً ملزماً لجميع الأطراف المعنية، وهنا يكمن اختلاف المؤتمر عما سبقه من اجتماعات ولقاءات.
المشهد الليبي شديد التعقيد، ولا يمكن التنبؤ بسهولة بمجريات الأحداث على الأرض في ظل تعنّت تركيٍّ وتراخٍ دوليّ للضغط على نظام أردوغان ، الطرف العابث الرئيس في ليبيا”.