حنينُ المستعمر
الغرب الاستعماري، وكعادته دائماً، تأتي توجّهاته حمّالة أوجه، وأياً كان الوجه الظاهر، فهو ليس حقيقياً، بل دائماً تكون الحقيقة كامنة وراء الأكمّة والأقنعة.. ومن هنا، فأي اعترافات للغرب بجرائمه الماضية على مدى العقود تكون دائماً محطّ شكوك وتساؤلاتٍ.
ألمانيا اعترفت بارتكابها إبادةً جماعية في ناميبيا خلال احتلالها الاستعماري لهذه الدولة الإفريقية 1884- 1915، وفرنسا اعترفت بمسؤوليتها ودورها في الإبادة الجماعية التي ارتكبت في راوندا 1994.. اعترافات بالجملة، لكنها تأتي دائماً خاليةً من أيّ أعذار، هذا إن كانت تنفع الأعذار.. أو حتى إن كانت هناك تعويضات، فماذا تنفع بعد إبادة الشعوب والتدمير والتهجير؟.
الدول الغربية كألمانيا وفرنسا، رغم وجودها على ساحة الأحداث الدولية، لكنها تريد حجز دور لها في عالم متعدد الأقطاب، ومساحة تكون متفرّدة بها ومسيطرة عليها في كل المجالات، فالقارة الإفريقية لا تقل أهميةً، بموقعها وثرواتها، عن غيرها من مساحات أخرى.
الاعترافات الغربية لا تأتي من منطلق الإحساس بالذنب أو من منطلق إنساني أو حتى لتبييض الصفحة والتنصّل من المحاسبة والمساءلة، فلو كانت هناك محاسبة لتمّت منذ زمن، لكنها، أي الاعترافات، طريقة للتغلغل مجدداً في تلك الدول وإعادة استعمارها بشكل جديد وغير مباشر، واجهته علاقات سياسية “مرنة” واستثمارات اقتصادية ومساعدات “إنسانية”، وخلفياته ضغوط عندما تقتضي الضرورة وتحكّم بالعلاقات السياسية الخارجية لتلك الدول بما يتماشى مع السياسات الغربية وعلاقاتها الدولية، أي تكوين اصطفافات جديدة على الساحة، إضافة إلى السيطرة على ثروات ومقدرات تلك الدول.
فلو كانت الدول الغربية نادمةً، واعترافاتها تأتي من منطلق الشعور بالذنب، لتعلّمت من الماضي، وتوقفت عن ارتكاب الجرائم التي نراها تستمر بها , وما يحصل في اليمن وليبيا وغيرها الكثير مثال حي على ذلك، وهذه الجرائم تتخذ أشكالاً متعددة ربما أخطرها ما يستهدف قوت الشعوب عبر ممارسة الحصار الاقتصادي أو المشاركة فيه بطريقة أو بأخرى، لتحقيق غايات سياسية كما يحدث في سورية.
إنها سياسة الكذب والخداع الغربية التي لا تنفكّ تتواصل، فالشّهيّة إلى الاستعمار وإيجاد قواعد متقدمة هي الغاية المرجوّة دائماً.