لم يكتف النظام التركي بمحاولة التتريك للمناطق السورية في الشمال بل يمضي بما هو أخطر، وهو محاولة ربط الأجيال عبر الانتماء العقائدي لمنظمة الذئاب الرمادية التي تعد من أخطر المجموعات الإرهابية.
ممارسات وانتهاكات أذرع أردوغان في الشمال السوري لم تقتصر على النواحي الأمنية والمادية بحق السوريين، كما لم تقتصر على سرقة الممتلكات وإجبار الأهالي على النزوح بغية التغيير الديمغرافي، ولا على عمليات الخطف والاتجار بالمعتقلين، بل وصلت إلى ما هو أخطر من كل هذا عبر تسميم الجانب التعليمي.
فقد عمدت أذرع أردوغان من الجماعات والميليشيات التي تأتمر بأمره على إجبار الأطفال في كثير من المدارس على رفع شعار “الذئاب الرمادية” التابعة للحزب القومي التركي.
فعبر البوابة السورية وفي المناطق التي تحتلها قوات أردوغان ومرتزقته تنشط “الذئاب الرمادية”، في محاولة واضحة لإثبات “البعد القومي للحرب” التي تشنها تركيا على سورية، وبالنسبة للذئاب الرمادية فإن كل أراضي الدولة العثمانية سابقاً تعد أراضي تركية ويجب الجهاد بها.
وللعلم فإن نشاط تلك الحركة في سورية لم يبدأ خلال العدوان التركي واحتلال أجزاء من الشمال السوري، لكنه بدأ قبل أعوام مع تأكيد الكثير من الأهالي هناك تلقي التركمان للمساعدات العسكرية بجانب مقاتلين من الذئاب الرمادية.
وحسب مصادر من المنطقة أيضاً فإن نشاط تلك الحركة لم يقتصر على تركيا وسورية، ولكنه امتد ليصل إلى أذربيجان وقبرص والصين وروسيا وشبه جزيرة القرم والشيشان وتايلاند وفرنسا وألمانيا.
و”الذئاب الرمادية”، منظمة قومية متطرفة تعتمد الإرهاب والعنف في نشر أيديولوجيتها القائمة على العنصرية التركية، وتعد التنظيم المسلح لحزب الحركة القومية، الحليف البرلماني لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم بقيادة أردوغان، حيث عمل الأخير على مزج الأفكار القومية العنصرية بأفكار العثمانية الجديدة ذات الطابع الديني المتشدد، لينتج عنها الأردوغانية القائمة على أفكار عدوانية تسترجع ميراث الغزو واحتلال الدول المجاورة.
ومنذ استفتاء 2017 الذي انتقل بتركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي، خرجت إلى العلن العلاقة بين “العدالة والتنمية” الحاكم، ومجموعة “الذئاب الرمادية” المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية.
لم يجد أردوغان أفضل من مهاويس “الذئاب الرمادية” لتنفيذ مخططاته في سورية، فالمنظمة تمتلك نحو نصف مليون عضو موزعين على 1700 فرع في مختلف مدن تركيا، ورغم أنها مصنفة كمنظمة إرهابية دوليًا، إلا أن أردوغان لم يجد غضاضة في استخدامها لتنفيذ مآربه في سورية.
لم تكن تهديدات أولجاي كلافوز رئيس “الذئاب الرمادية” السابق عام 2016 باستعادة أمجاد الأجداد في حلب إلا مقدمة لخطة تعدها تركيا لنشر دعايتها واستعادة ما يسمى “حلم الخلافة الضائع”.
وعليه كان لابد لأردوغان ومرتزقته، وبعد الفشل الذريع التي منيت به سياساته وكل ممارساته ومخططاته، من استهداف الأجيال السورية لتحقيق هذا الأمر، فالمنظمة الإرهابية تفرض على مدارس ورياض أطفال في عفرين ترديد العبارات العنصرية ورفع الشعار الخاص بالمنظمة.
أردوغان لم يتوقف عن دعم وتمويل الإرهاب والتطرف يوماً، لكن مع الوقت يتضح أنه ما إن يلوذ بالصمت حتى تكون أذرعه تعمل في محاولات يائسة لتحقيق حلمه الأكبر بإحياء إمبراطورية أجداده المقبورة، ويبدو أنه لم يجد أفضل من “الذئاب الرمادية” لتقوم بهذه المهمة القذرة، التي اشتهرت بها هذه المنظمة الإرهابية.