رسّامة الورد
لم تكن سوسن جلال (1955- 2021 ) مُولعةً بالمعارض الفردية، فخلال أربعٍة وأربعين عاماً من الرسم، يمكن وصفها بـ “المُقِلة”. كانت أولى معارضها مع أعمال والدها الفنان الرائد محمود جلال وأعمال شقيقها الفنان خالد في المتحف الوطني، لتأتي تجربتها الفردية في صالة نصير شورى عام 1995، وأغلب الظن أن مشاركتها في معرض ثنائي مع الفنان جورج عشي في صالة عشتار عام 2018 كانت الأخيرة، إلى جانب مشاركات جماعية كثيرة محلية وخارجية وعدة معارض فردية.
في ذلك المعرض، أٌتيحت لي فرجة مُتمهلة على مجموعة من لوحات جلال، فمع أنها صاحبة خبرة في مجال الديكور ورسوم قصص الأطفال إلا أنها لطالما انحازت للبحث في أشكال الورود وألوانها، ربما هي ردة فعل تجاه ما عايشته من آلام في حياتها، معروفٌ أنها فقدت مبكراً أخاها الفنان خالد أثناء دراسته في روما لكن هذا لم يكن إلا البداية حسبما يذكر الناقد سعد القاسم في مقال له حيث (اضطرّت لإخفاء الخبر عن أبيها، الذي لم يكن ليتحمل ذلك في عمره المتقدم وحالته الصحية الصعبة، فلجأت لرسائل تكتبها له باسم شقيقها حتى حلول اللحظة المؤلمة التالية، لحظة رحيل الأب لتنذر نفسها بعدها للعناية بأمها المريضة لآخر يوم في حياتها، شاغلة ما تبقى من وقتها برسم الزهور التي تبهج أرواح الآخرين فيما روحها تتلقى جرحاً جديداً برحيل شقيقتها الأقرب إليها).
على الرغم مما توحي به ورود جلال من رزانة، فهي قادرة على مبادلة المتفرج اهتمامه وتأمله، ولاسيما أن معظمها تتخلى عن المزهرية أو الإناء، وتبتعد أيضاً عن الحدائق وما شابهها، لتأتي على هيئة مجموعة أو بوتقة قائمة في حد ذاتها، كأنها تنفي عن نفسها صفة التبعية، أي حتمية وجودها من دون مجال أوسع، وهي تنأى عن الضعف والهشاشة المعروفين عنها أيضاً، بانسياب أوراقها وبَتَلاتها، كما لو كانت تواجه الريح والماء معاً.
لعلّ سوسن جلال اختارت ما نعدّه كائناً جرّدته الطبيعة إلا ما ندر، من إمكانية الدفاع عن نفسه مقابل ما يُمكن له أن يفعله في الآخر، على شكل ابتسامة أو التفاتة أو حتى فكرة، اختارته ليغدو عالمها بما فيه من بهجة خجولة، ستبقى حيّة أبداً.