أداءٌ نتماهى معه
تدرّجٌ مبالغٌ به أو ربما كان تباطؤاً مقصوداً عايشته شخصية “هلال” التي يُؤديها الفنان باسم ياخور في مسلسل “على صفيح ساخن” قبل أن تختبر تحوّلاتٍ أجبرتها على التغيّر مجاراةً لعالمٍ لم تختره. لعلّ هذا التمهل منطقي رغم ما أحدثه من ضجر لدى المشاهد لنعي كيف تتحوّل المبادئ المقدسة عند بعضنا إلى مشانق تنعقد بأيدي المقربين أخوة وأصدقاء، حين ينحاز هؤلاء لمصالح استمرأها البعض ولم يعد محرجاً من تبريرها وتمريرها.
“هلال” نموذجٌ يرى في التضحية لأجل العائلة مسؤولية لا يجب التخلّي عنها تحت أيّ ظرف لكن سعي إخوته نحو خلاص فردي يعمّق خلافاً بدا للوهلة الأولى متعلقاً بطريقة التفكير وترتيب الأولويات في وضع معيشي صعب، ليتضح لاحقاً أنه “فجوة” بين أبناء البيت الواحد، لا تلبث أن تتعمق جاعلةً منهم فرقاء لدى كلٍ منهم أسبابٌ تُحتّم العداوة.
إلى جانب هذه الهزات المتتالية، يعيش “هلال” تحوّلاً أول حين يتورط بجريمة قتل، حدثٌ لا يمكن بحال أن يكون عادياً، ضاعف إحساسه بالذنب تجاه عائلته ووضعه مباشرة في مواجهة مع نفسه كمُدان، ومع التحوّل الثاني يجد نفسه مُحاصراً ومُتورطاً مع مروجي المخدرات، لكنه يبحث هنا عن حلول للنجاة، تجعل منه جزءاً من عالمٍ مخفي لنبّاشي حاويات القمامة وتجار البلاستيك والكرتون، منتقلاً من كونه شخصية طبيعية إن صح التعبير إلى أخرى مخذولة قليلة الحيلة، يمكن لومها والتعاطف معها في الوقت نفسه.
“على صفيح ساخن” للمخرج سيف الدين سبيعي والكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي، يُعيد ياخور إلى دراما يمكن وصفها بالساخنة والمثيرة للفضول عبر شخصية تقف وحيدة أمام تيّار جارف، قلقة خائفة ومترقبة، تبدو فيها طاقة ياخور كممثل أول، كما عرفناه في “العراب”، “ضيعة ضايعة”، “الخربة”، “الندم” وغيرها، لا يترك للمتلقي إلا أن يُتابع تفاصيله، في أداء يبدأ من الداخل إلى الخارج، في ارتفاع حدة الصوت وانخفاضه، في الصراخ ألماً أو قوة، في انحناء الظهر وثقل الحركة أو خفتها، وحين يوجه أحدهم مسدساً إلى رأسه ويقول له “تشاهد على روحك”، لا نملك إلا أن نتماهى تماماً مع وجعه.