يبدو أن مسار العلاقات التركية- الأمريكية يتجه في الأيام المقبلة إلى الدخول في منعرجات واتجاهات مختلفة، بعد اعتراف واشنطن بإبادة الأرمن.
قبل الولوج في تعرجات العلاقة الثانية، لا بد من الإشارة إلى أنه وبنظر عديد من الباحثين فإن الثابت في علاقات الجانبين الأمريكي والتركي عبر وقت طويل، هو رمادية العلاقة، بمعنى أنه لا يستطيع أي من الطرفين الزعم بأن هناك عصراً ذهبياً.
أمام هذا الحال بقيت العلاقات أسيرة العديد من القضايا، تزيد تبعاً للظرف السياسي، وضرورات الاستثمار.
خلال السنوات الأخيرة، كانت هناك أزمات اختبرت العلاقات الأمريكية- التركية وأصبحت تحتل الأسبقية على أجندة إدارة الرئيس بايدن، منها شراء أنقرة لأنظمة الصواريخ الروسية إس 400 والعقوبات الأمريكية التي تلت ذلك على تركيا، واحتلال أمريكا وتركيا لأجزاء من سورية واعتماد كل من الطرفين على ميليشيات وإرهابيين يحفظون خطوط عدم الصدام، وأزمة شرق البحر الأبيض المتوسط، وغيره ذلك من أزمات بين البلدين.
وأدق توصيف لواقع العلاقات الثنائية هو ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن تركيا “شريكنا الإستراتيجي المزعوم”.
لم يأت الاعتراف الأمريكي بالإبادة الأرمنية على يد العثمانيين كالتزام أخلاقي، أو اعتراف بحقيقة دامغة لا جدال فيها، بل كسيف مسلط على أنقرة للالتزام والانضباط ضمن مسارات السياسة الأمريكية في مواجهة روسيا والصين، حيث ستبقى تركيا أولوية لدى أي إدارة أمريكية كمركز متقدم للقواعد العسكرية الأمريكية، واستغلال الوجود القومي والمذهبي في آسيا الوسطى وداخل روسيا والصين.
بمعنى آخر أن الخطوة الأمريكية، هي محاولة الضغط على تركيا للعودة عن علاقاتها مع روسيا وإيران وانفتاحها على الصين، والدليل على ذلك قول بايدن إن بلاده لا تريد محاسبة أحد إنما فقط عدم تكرار هذا السيناريو، والمؤشر الثاني هو اتصال بايدن بأردوغان وطمأنته، قبل يوم من الإعلان الأميركي والاتفاق على عقد لقاء بينهما خلال قمة “ناتو” المقبلة.
لهذا فإن الاعتراف الأمريكي، سيف مسلط للضغط على أردوغان ليبقى في الحضن الأمريكي وعدم الخروج عن الطاعة.
المشهد بجزئياته كافة يأخذنا إلى ضرورة مراقبة السياسة التركية في الأيام المقبلة، وملاحظة الاستدارات فيما يتعلق بعلاقة أنقرة مع أمريكا و”إسرائيل” و”ناتو”، ومن غير المستغرب الاستدارة مع روسيا واتخاذ مواقف ضدها في سورية أو أوكرانيا وجزيرة القرم والبحر الأسود عموماً..
جرح ناغورني قرباخ، لازال غير ملتئم، والجبهات في مناطق جغرافية أخرى لها علاقة وثيقة باليد الأمريكية، واستثمار الحطب الأردوغاني، فالسنوات الماضية أرتنا الكثير منه.