ما مصير النصوص المُتخَمة بمفردات الأخبار العاجلة وآراء المُحللين؟

تبدلت موسيقا القصيدة واختلّت أوزانها، دخلتها الأخبار العاجلة وآراء المُحللين في ظل الحرب الإرهابية التي تشن على سورية، وقد أُكيلت الاتهامات للقصيدة ووُصفت بالتسرّع والاستسهال، وعدّها آخرون كتابات توثيقيّة هامّة. وعلى أية حال، ما يمكن لنا تأكيده هو أننا اليوم نقف أمام عشرات النصوص الشعرية التي قام أصحابها بعملية انزياح لمفردات من سياقاتها الحربية والسياسية إلى أروقة القصيدة، فهل يمكن للقصائد أن تكون آنية؟، وما مصير النصوص المُتخَمة بتلك المفردات في الزمن القادم؟، هذا كان سؤالنا للشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي والناقد عطية مسوح.
شعر المناسبات العامة
يرى الناقد عطية مسوح أن الشعر الخالد هو الذي يحمل اليومي المحدّد إلى أفقٍ أشمل، ويستحضر هنا ما سُميَّ قديماً “شعر الحماسة”، وهو شعر معروف وعريق في تاريخنا الأدبيّ. وبوصفه كذلك فهو شعر مناسبات أيضاً. أما الأسس التي نستند إليها في تقويم هذا الشعر, لا من الناحية الفنّية فقط, بل من ناحية المضامين التي يحملها، فهي كما يقول: حتى يكون شعر الحماسة قابلاً للخلود لا بدّ من أن يحمل روحاً إنسانيّة وقيماً تخرجه من إطار الحماسة المجانية وتفكّ ارتباطه بالمناسبة التي أنتجته.
يوضح مسوح لـ “تشرين”: شعر الحماسة العربي, كثير جدّاً, وموجود في دواوين الشعراء, ولكنّ ما يحتفظ منه بالقدرة على التأثير في وجدان القارئ وذائقته قليل جداً, فمعظمه مثير للأسف والسخرية, لا لأنّه ضعيف فنياً, بل بسبب موضوعه الحماسيّ ذاته, منه: حروب عبس وذبيان, وبكر وتغلب, وعشائر ربيعة, وغيرها تشكّل القسم الأعظم من شعر الحماسة العربيّ.
ولو كان السؤال “كيف يقبل قارئ اليوم هذا الشعر”؟، يؤكد الناقد “إنّ ما هو مقبول منه هو تلك اللمحات القليلة ذات البعد الإنسانيّ, تلك التي تصوّر عمق أحاسيس النفس البشرية, أو تلك التي تنقل اليوميّ إلى ما هو دائم أو خالد, وذلك باستخلاص حكمة أو لمحة فلسفيّة”. وعلى حد قوله “قصائد المناسبات بعامّة, لا تخلد وتظلّ مصدراً للمتعة والإلهام وتنقية الوجدان وتغذية العقل إلاّ إذا استطاعت أن ترتقي بالراهن إلى مستوى أشمل وأعمق. ولو أمعنّا النظر في شعر القضية والمقاومة لدى محمود درويش مثلاً لرأينا أنّ الكثير منه يحقق هذا الارتقاء, لذلك يشقّ طريقه إلى الخلود”.
معنى خالد
بدوره يؤكد الشاعر نزار بريك هنيدي أن الشعر هو الفن الأكثر تعبيراً عن انعكاس التحولات والأحداث الكبرى التي تطرأ على المجتمع فتنفعل بها الذات الشاعرة، التي تمثل الذات الجمعية في مكابداتها ومواقفها وتطلعاتها وآمالها. ويقول في حديثه لـ”تشرين”: إذا كان الشعر الأصفى هو الذي يتعامل مع الانفعالات والمواقف التي تجسد الملامح والسمات المميزة للجوهر الإنساني المطلق في تجاربه الوجودية الممتدة على مراحل تاريخ الوجود البشري، وتتنوع بتنوع الشعوب والأعراق والجماعات الإنسانية، فإنه لا بد لنا من ملاحظة أن الإنسان استخدم الفن الشعري أيضاً لغايات ذات طابع مباشر وآني، ذلك ما نراه في المنعطفات الكبيرة في حياة المجتمعات.
وفي مثل هذه الحالة، يضيف هنيدي: تكثر النصوص التي تستمد مشروعيتها من مدى قدرتها على إذكاء الحماس وتوجيه وعي الأفراد وشحذ هممهم ودفعهم إلى المشاركة في الدفاع عن القضية التي يتبناها الشاعر، لكن تأثير هذه النصوص ينتهي عادة بعد أن تكون قد أدت المهمة التي كُتبت من أجلها وإن احتفظ بعضها بقيمة تاريخية مرتبطة بما أُنشئت من أجله.
يمكن لهذا أن يتغير، في حال توافر لمثل هذه النصوص “شاعر ذو موهبة استثنائية يستطيع أن يستخلص من الحدث الآني قيمة جوهرية أو معنى خالداً يصلح للكشف عن مسارات متواترة إلى الحد الذي يمكن فيه أن نعدها من قوانين التاريخ أو من ثوابت السلوك البشري”. وعندها يتابع هنيدي: تصبح لهذه النصوص قيمة تتجاوز الزمان والمكان، وتلتحق بركب القصائد الخالدة.
شاهدٌ على مرحلة
في الكلام عما أنجزه شعراؤنا، يقول هنيدي بالاستناد على رؤيته السابقة إن “عدداً قليلاً منهم فقط، استطاع أن يتجاوز بنصه ملامح الآني ويصل إلى إبداع ما يُمكن أن يضاف إلى مكونات الوجدان الوطني العام لشعبنا وأمتنا”.
في حين يقسّم مسوح المنجز الشعري “موضوع حديثنا”, تسهيلاً لمناقشته إلى قسمين “قسم تعبويّ يعبّر عن موقف وهو بالتالي ذو طابع حماسيّ ومحتوى أيديولوجيّ, وقسم وجدانيّ يعبّر عن الألم والانفعال بما حدث, وبالآثار المأساويّة التي وقعت على أبناء الوطن وأطفاله”.

وانطلاقاً من خصائص الشعر ومقوّمات خلوده, يقول: “القسم الأوّل, أي ما سمّيناه التعبويّ, هو زائل بانتهاء موضوعه, برغم بقائه حبراً على ورق الدواوين، أمّا الثاني, الوجدانيّ بالمعنى الذي ذكرناه, فالجيّد فنّيّاً منه سيكون في عداد الشعر الخالد, أو الشعر الباقي قيد القراءة والتأثير إلى أمد طويل”. في حين إن المفردات التي دخلت شعر الفترة المذكورة فستبقى كما يصفها “شاهداً على مرحلة, وستكون دليل القرّاء والنقّاد والدارسين على طبيعة تلك المرحلة وأثر أحداثها على الشعر والأدب، وعلى كلّ حال, فإنّ الشاعر الموهوب المتمرّس قادرٌ على منح قصيدته أبعاداً تطلقها من إسار المناسبة أو الحدث مهما يكن مهمّاً”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار