مجلة “الإيكونومست” البريطانية
تشكل التكتلات الإقليمية في قارات العالم عاملاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً للدول المنتسبة لهذه التكتلات، وبعيداً عن الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة، تبرز أمريكا اللاتينية كقوة اتحادية متنامية تخدم مصالح الدول المنتمية إليها.
ما لا شك فيه أن السوق المشتركة لأمريكا اللاتينية تعد أحد أهم نماذج التكتلات الاقتصادية في العالم الثالث، نظراً لما حققته من تقدم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لأعضائها، وهي نموذج ناجح بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية.
وتظهر أهمية هذه السوق في حجم التحديات التي واجهتها منذ بداية ظهورها، حيث إن المستوى الاقتصادي الضعيف الذي كانت تتميز به دول التجمع لم يكن محفزاً لنجاح هذه السوق، لكن إرادة كل من البرازيل والأرجنتين كانت دافعاً لإنجاح هذه العملية التكاملية.
تعود الجذور التاريخية لنشأة السوق المشتركة لأمريكا اللاتينية والمسماة اختصاراً “الميركوسور” إلى برنامج التكامل والتعاون بين كل من الأرجنتين والبرازيل والذي يعود بدوره إلى الرغبة السياسية لقادة كلا البلدين عام 1986، إذ كانت القوة الدافعة والنواة الأولى لتشكيل تجمع “الميركوسور”.
تعتبر البرازيل والأرجنتين أكبر اقتصاديين في التجمع بالإضافة إلى استحواذهما على النصيب الأكبر من تجارة هذا التجمع سواء مع العالم الخارجي أو بين الدول الأعضاء.
بدأت مجموعة “ميركوسور” خطواتها الأولى منذ بداية فتح الحدود لحركة التجارة ما بين البرازيل والأرجنتين ثم انضمت لها الأوروغواي والباراغوي لتشكل ما يشبه السوق المشتركة في منطقة جنوب أمريكا اللاتينية وفيما بعد انضمت التشيلي وفنزويلا إلى ذلك التجمع كشريكين غير كاملي العضوية.
أنشئ تجمع الميركوسور بموجب معاهدة أسونسيون عام 1991 بعضوية البرازيل، الأرجنتين، أوروغواي، باراغواي، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994 بعد توقيع الدول الأعضاء المؤسسين على بروتوكول (أوروبريتو) الذي وضع الهيكل المؤسسي المالي للميركوسور كبداية فعلية للتجمع من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لهذا التجمع وهو الوصول للسوق المشتركة، وانضمت بعد ذلك كل من شيلي وبوليفيا كشريك إلى التجمع عام 1996 ثم بيرو عام 2003 وكل من الإكوادور وكولومبيا وفنزويلا كشريك في كانون الأول 2004.
وتشمل مؤسسات تجمع الميركوسور:
مجلس السوق المشتركة الذي يعد أعلى مستوى تنظيمي للتجمع ويمتلك سلطات واسعة بهدف الإشراف على التنفيذ السليم لمعاهدة أسونسيون ويضم وزراء الخارجية ووزراء الاقتصاد للدول الأعضاء التي تتناوب على رئاسته كل ستة شهور بالترتيب الأبجدي، ويتم تمثيل كل دولة عضو بأربعة مندوبين دائمين وأربعة مناوبين، كما يتم التصويت في المجلس وفقاً لآلية الإجماع بحضور جميع الدول الأعضاء
مجموعة السوق المشتركة، وهي الجهاز التنفيذي للميركوسور، يتابع تنفيذ بنود معاهدة أسونسيون واتخاذ إجراءات تنفيذية لتحرير التجارة وتنسيق السياسات الاقتصادية، ويتشكل من عضوية كل من وزير الخارجية وزير الاقتصاد ومحافظ البنك المركزي لكل دولة من دول التجمع، وتقوم مجموعة السوق بإعداد توصيات بشأن تنفيذ المعاهدة ومراقبة مدى الالتزام بقرارات المجلس وتنسيق عمل مجموعات العمل الفرعية، إلى جانب إقامة ارتباط مع المفوضية البرلمانية وإعداد المقترحات حول برنامج تحرير التجارة وتنسيق السياسات الكلية والتفاوض حول الاتفاقيات مع الأطراف الأخرى خارج التجمع.
السكرتارية العامة، تقوم بحفظ المستندات وإصدار البيانات الرسمية عن المجموعة والاتصال بمجموعة السوق المشتركة في اتخاذ القرارات وتطبيقها.
المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، له دور استشاري ويقوم بتمثيل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء
مجموعات عمل فرعية، وتعنى بالمتابعة الدقيقة والتنفيذ الدقيق لمقررات التجمع وكذلك إعداد الدراسات، وهناك مجموعات عمل في الجمارك، السياسة النقدية والضريبية، البطالة، الأمن.
اللجنة البرلمانية المشتركة، ويجمع دورها بين الطبيعة الاستشارية والطبيعة الإلزامية فيما يتعلق بصنع القرارات.
لجنة التجارة وتقدم المشورة لمجلس السوق المشتركة فيما يتعلق بالمسائل التجارية واستحداث الآليات المطلوبة للسياسة التجارية المشتركة والعمل على توحيد الجمارك ومتابعة ما يستجد من تطورات.
المحكمة الدائمة، لمراجعة سياسات الميركوسور ومقرها في أسونسيون عاصم باراجوي.
المحكمة الإدارية لشؤون العمالة الخاصة بدول الميركسور.
المنتدى الاستشاري للولايات الفيدرالية والمحليات والمحافظات والأقسام المختلفة بدول الميركسور.
إن هذا التجمع فتح الطريق أمام مواجهة تحديات عديدة أهمها الانفتاح على دول مجاورة تتطلع للانضمام إلى هذا التجمع مثل التشيلي وبوليفيا، ومحاولة خلق توازن في التعامل التجاري بين دول السوق من ناحية وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الآسيوية من ناحية أخرى، ويبدو أن الطريق ما زال مفتوحاً أمام هذا التجمع للوصول إلى عملة أمريكية جنوبية واحدة وإزالة العراقيل أمام تنقل أفراده على غرار الاتحاد الأوروبي.