في تأويل الوجوه

عينان خضراوان وشعر أشقر أجعد، هكذا تبدو صورة “الإسكندر المقدوني” بعد نجاح المختصين بإعادة تشكيل ملامحه عبر النظام الرقمي اعتماداً على عشرات التماثيل والمنحوتات المصممة لوجه المحارب الشاب. في السياق ذاته، أعاد نحات سويدي تفاصيل الوجوه لمجموعة جماجم أثرية اكتشفها علماء الآثار مستعيناً بطابعة ثلاثية الأبعاد مكّنته مع مختصين بعلم التشريح البشري من وضع إضافات تتعلق بلون الشعر والجلد إضافة إلى الفترة الزمنية التي عاصرتها.
العلاقة بين الوجه والشخصية كشفت الكثير من الخبايا وغيّرت معتقدات وأفكاراً فرضت نفسها عبر الزمن حتى أنها شغلت علوم النفس والاجتماع والطب، ووجدت طريقها إلى الآداب والفنون، فالابتسامة من طرف واحد ترتسم على وجوه الشامتين والمستهزئين في حين أن الشفاه الصغيرة تعني أن صاحبها قليل الكلام وربما لا يثق في من حوله أما أصحاب الجبهات المستديرة فهم غالباً مبدعون يفكرون بمساعدة الآخرين وتحسين ظروفهم.
هذا الإرباك في استقراء الوجوه واحتمالية الخطأ في تأويلها اختفى تقريباً في وسائل التواصل الاجتماعي منذ ظهرت الوجوه التعبيرية emojis ، وهي اليوم جزء من محادثاتنا الإلكترونية للتعبير عن ما نودُّ قوله للآخرين وجهاً لوجه، وكل ذلك يغنينا عن العبارات الطويلة وحشو الكلام الزائد٬ فنستعين بها في حالات الفرح٬ الحزن٬ الدهشة٬ الخجل أو حتى عند فقدان القدرة على الكلام حتى أن القائمين على قاموس أوكسفورد الإنكليزي أعلنوا قبل سنوات أن كلمة العام 2015 لم تكن كلمة على الإطلاق بل رمزاً تعبيرياً هو “وجه دموع الفرح”.
ولأن الوجه رمزٌ يختزل حياة صاحبه ويحكي عنه ما لا يجرؤ على البوح به وما لا تحسن الكلمات وصفه، تناقلت حضارات وثقافات عديدة عبارة “حفظ ماء الوجه”، بمعنى عزة النفس والكرامة اللتان لا يجب التفريط بهما تحت أي ضغط، لتجعل “الوجه” علامة على خلق حامله، هوية وأداة تواصل ولغة حوار، تسقط أمامها الأقنعة ومحاولات التجميل والادعاء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار