شراكة المحتلين
لم يكذب جيمس جيفري عندما قال: إن واشنطن وأنقرة شريكتان مقربتان للغاية في سورية، فهما حقاً شريكتان في رعاية الإرهاب، ونهب خيرات سورية، واحتلال أراضيها، وامتلاكهما مخططات لتفتيت جغرافيتها، بل هما شريكتان رئيسيتان في سفك الدم السوري وفي كل ما آلت إليه الأوضاع راهناً.
وأشار جيفري أيضاً إلى أن بلاده وتركيا تمتلكان تاريخاً من التحالف داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) يزيد على 70 عاماً، ومعروف للقاصي والداني تاريخ هذا الحلف غير المشرف والمهمات التي اضطلع بها على سبيل المثال في يوغسلافيا وأفغانستان وليبيا وما تريد منه واشنطن وتستخدم الدول الأعضاء كجبهات وخنادق متقدمة لمحاصرة الدول التي لا تتماشى مع سياسات واشنطن.
الولايات المتّحدة وتركيا قوّتا احتلال لضرب الواقع الجيوسياسي في سورية ولكل من طرفي الاحتلال أذرعه ومرتزقته، تركيا عبر الجماعات الإرهابية التي تتخذ مسميات مختلفة، والولايات المتحدة عبر ميليشيا “قسد” الانفصالية.
أمام هذا المشهد، ولوجود مصالح كثيرة تجمع القوتين المحتلتين خارج الموضوع السوري، وللتخلص من المخاطر التي تواجه عملهما بشكل منفرد، اقتنع المحتلان بأنه من الضروري العمل على تقليص الخلافات بينهما في الموضوع السوري، وتوحيد جهودهما، وإيجاد صيغ جديدة للتعاون بينهما في المناطق التي يحتلانها، وهذا تحقق عبر تفاهمات وتنسيق مشترك تحت أغطية مختلفة، وهذا ما عبر عنه جفيري في حديثه عن مقاربات العلاقة الثنائية والتي قد تصل في تفاصيل معينة إلى حد التصادم عبر الأدوات على الأرض حيث قال إنه واقعي، “ومن الضروري قراءة الحقائق الجديدة جيداً واتخاذ الموقف وفقاً لذلك”.
جيفري واحد من صقور إدارة ترامب عارض قرار الأخير الانسحاب من سورية، لقناعات قديمة لديه، كمحارب، فقد كان معارضاً قوياً لانسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، ورؤيته تقوم على قناعة خالصة تكوّنت لديه بأنه من غير تواجد أميركي فاعل ونافذ على الأرض عبر استمرار القوات الموجودة هناك لا يمكن القيام بالمهمات التي تنوي تنفيذها.
بحديثه الأخير يريد أن يقول إن نظريته تلك مرتبطة بالقدرة على عقد تفاهمات على الأرض مع الأتراك لحماية القوات الأميركية وإيجاد مساحات أوسع للتعاون واستغلال الهدوء الذي تمر به العلاقات بين أنقرة وواشنطن حالياً، وختم جيفري: “ليس هناك هامش كبير للخطأ الآن ستستمر هذه العلاقات لكونها مهمة”. فهل بعد هذا من وضوح لما هو قائم بين المحتلين في إطار الشراكة؟.