كثيرة هي الاجتماعات واللقاءات الدولية الاستعراضية، التي تعقد تحت عناوين كبيرة وبراقة، لكن الهدف منها سياسي صرف لخدمة أجندات الدول المنظمة والمنظمات المشاركة فيها.
وفي هذا السياق يمكن اعتبار مؤتمر “بروكسل الخامس” حلقة جديدة من حلقات الاستعراض المكشوف والمسيس لفرض الشروط، أو بمعنى آخر اعتباره استمراراً لسياسات فاشلة لا تقوم على مقاربات ونهج واقعي بناء للخروج من الأزمة السورية..
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن لهذا الحشد أن يناقش ويقرر بخصوص سورية واحتياجات شعبها الأساسية بغياب وفد الحكومة السورية؟.
إن مشاركة الأمم المتحدة في رئاسة هذا المؤتمر في ظل غياب الحكومة السورية يمثل مخالفة واضحة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فتحقيق أي تحسن في الوضع السوري بجوانبه المختلفة يقتضي التعاون والتنسيق مع الدولة السورية والامتناع عن تسييس الجهود وعدول الدول الغربية عن سياساتها القائمة وشروطها المسبقة، إلى جانب وضع حد للإرهاب الاقتصادي والتجاري والمالي والصحي الذي تفرضه دول غربية على سورية.
في جانب موازٍ، وعطفاً على ما سبق، كيف يمكن النظر إلى ما حفل به المؤتمر من مزايدات، ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تفرض المزيد من الإجراءات القسرية أحادية الجانب وتجددها بشكل تلقائي على الرغم من تأثيرها القاتل على الشعب السوري، وتزامن هذا مع تفشي جائحة كوفيد19، ألا يعكس هذا نفاقاً في طريقة تعاملهم مع الوضع الإنساني في سورية؟.
أن الزعم بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، لا يستوي مع فرض الإجراءات القسرية الأحادية الجانب التي باتت تمثل في الحالة السورية، نوعاً من العقاب الجماعي وتجاهل تأثيرات ذلك الكارثية في مختلف المناحي المعيشية للشعب السوري، وفي القدرة على تأمين الاحتياجات اليومية للسوريين.
كل هذا يقوض مصداقية منظمي هذا المؤتمر لأن انخراط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في سياسات ترمي إلى زعزعة أمن واستقرار سورية والتغطية على أعمال العدوان والاحتلال وتجاهل ممارسات التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية ورعايتها ينفي أي مزاعم لتلك الدول بالحرص الإنساني والأولى ببعض تلك الحكومات التي تتبجح بتقديم المساعدات للسوريين في المؤتمر أن تتوقف عن سرقة ثروات السوريين وممتلكاتهم الثقافية ومحاصيلهم الزراعية وعدم حرمان السوريين منها.
مؤتمر بروكسل، لا يحمل جديداً بل هو مناسبة تعيد إلى الأذهان ما قامت به الإدارات الأميركية السابقة، والدول الغربية وبعض الدول الإقليمية وأذرع هؤلاء من المرتزقة والإرهابيين، فالوقائع أثبتت تحول هذا المؤتمر إلى أداة ضغط وابتزاز بيد المانحين لفرض إملاءاتهم حول آليات تقديم المساعدات الإنسانية وتسييس العمل الإنساني وربطه بشروط تتعارض جملة وتفصيلاً مع مبادئ العمل الإنساني المتمثلة بالإنسانية والحيادية والنزاهة والاستقلالية.
لو كان منظمو مؤتمر بروكسل صادقين في نياتهم لتحقيق تحسن في الوضع الإنساني في سورية فكان حري بهم التعاون والتنسيق مع الدولة السورية والامتناع عن تسييس الأعمال الإنسانية وفرض الشروط المسبقة، ولو توفر الصدق والشفافية والحرص، التي يمكن اعتبارها أركان العمل الدولي الصحيح، سيجد المنظمون دمشق تسبقهم في دعم تحقيق أهداف المؤتمر.
بغياب هذه الأركان، مع توفر قدر عال من العدائية والازدواجية البغيضة، فإن الحلقة الخامسة من مسلسل بروكسل فعالية استعراضية غير مشروعة وكل ما يصدر عنها يعني أصحابها فقط..