لم يأت موقف الاتحاد الأوروبي حول العلاقات مع سورية وإعادة الإعمار فيها مفاجئاً، أو يمكن التعويل عليه لأشد المتفائلين والمتابعين للموقف الأوروبي، بالنظر إلى المعرفة الدقيقة بآلية اتخاذ القرار في هذه المنظومة الأوروبية وتبعيتها المطلقة لأمريكا.
فالاتّحاد الأوروبي، بتعريف سريع، هو تعبير عن تجمع إقليمي غير محدد الهوية وتنقصه الرؤية السياسية الواضحة، ما أدى به إلى السير وراء القاطرة الأميركية، وأبقى سبل اتخاذ القرار الفعليّة متركّزة في يد واشنطن.
ليس جديداً القول إن موقف معظم الدول الأوروبية حول ما جرى في سورية، لم يكن في يوم من الأيام، ومنذ بدء الأحداث في سورية له صلة بالواقع، ومع ذلك استمروا بالنهج نفسه، على الرغم من التغيرات الكبيرة التي شهدتها سنوات الحرب، واتضاح الحقائق لكل ذي بصيرة.
إن لجوء الأوروبيين إلى سياسة الحصار والعقوبات ومجاراة أمريكا، قد تكون أرضت غرورهم، وأكسبتهم “شعبية” في أوساطهم الانتخابية بالنظر إلى اعتمادهم على روايات ماكينتهم الإعلامية التي تعتمد التضليل وتحريف الحقائق بل قلب الحقائق رأساً على عقب، لكن سياسة الخنق الاقتصاديّ على الشعب السوري، ليس سياسة بقدر ما هو وصمة عار في سجل الأوروبيين الذين سيدركون بعد وقت أنهم كانوا شركاء فعليين للإرهابيين في محاولات تخريب سورية.
يعرف الأوروبيون، أو لعلهم خبروا جيداً السياسة السورية، منذ ما قبل 2011، أي إبان المفاوضات السابقة للتوقيع على الشراكة أن سورية تنتهج سياسة ثابتة لا تحيد عنها في الأمور التي تخص سيادتها ومواقفها وتوجهاتها، لن ترهبها التهديدات ولن تغير من سياستها عقوبات، ولو كانت سورية تريد مجاراة هؤلاء في مشاريعهم ومخططاتهم لكانت اليوم بوضع ومكان آخر..
إنّ حصر الاتّحاد الأوروبيّ إستراتيجيّته بالمجمل تجاه ما يحدث في سورية بالاعتماد على العقوبات الاقتصاديّة وإصدار التّصريحات الّتي لا تنسجم مع الحقيقة والواقع، ستبقى غير قابلة للصرف في الميزان السوري فضلاً عن كونها سياسة مكشوفة ولو كانت الكثير من الحكومات الأوروبية منسجمة مع نفسها ومع ما تدعيه لكانت بادرت إلى الوقوف على الحقائق من مصدرها وليس بالاستناد إلى روايات إعلامية مضللة ومجاراة الطرف الأمريكي الذي يحتل أرضاً سورية ويسرق في وضح النهار خيرات وثروات سورية تاركاً السوريين يئنون تحت وطأة الحاجة لهذه المواد.
إن الحديث عن كون الأوروبيين لا يعرفون جيداً حقائق الموضوع السوري، فيه مجافاة للحقيقة، فهم الأكثر علماً بأن ما حصل ويحصل لم يكن إلا مخططاً للتخريب ساهموا في تبنيه ودعمه بكل وسائل الدعم، وليست عودة الإرهابيين إلى أوطانهم الأوروبية بعد جولات من القتال في صفوف “داعش” و”النصرة” إلا تفصيلاً بسيطاً عن مدى ضلوع الأوروبيين بكل ما حصل من تخريب.
باختصار اعتماد الأوروبيين النغمة نفسها والمضي في نسج الرواية نفسها وفق الأدوات القديمة يخدم ويدغدغ عقليتهم الاستعمارية فقط، وإذا كانوا جادين بتغيير تعاطيهم مع سورية، وهذا مشكوك فيه، عليهم أن “يخيطوا بغير مسلة الاستعمار” فهذه المسلة قد كسرها شعبنا في سورية إلى غير رجعة.