قضية تحت الطلب
بصورة خجولة وتفاصيل مربكة وأحكام رمادية غير قطعية جاء تقرير الاستخبارات الأميركية حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول، فلم يصل إلى درجة الوعود القوية التي كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعهدت بها لحل لغز الجريمة وإنزال أشد العقوبات بالقتلة رغم إشارتهم إلى أن تلك الجريمة تمت بتوقيع ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان.
اللغز الذي تصر الإدارة الأمريكية الجديدة على التعامل معه فقط كوسيلة لتحقيق المكاسب بينما تداس يومياً حقوق الإنسان في السعودية، بقيت خيوطه بيد إدارة بايدن تكشف عن بعض فصوله متى أذنت مصلحتها بذلك وتخفي الحقائق أو حتى تبرر للقتلة لاحقاً من خلال الضبابية تارة والازدواجية في التعامل مع القضية تارة أخرى.
مصلحة بايدن الحالية أن يظهر لجمهوره أنه يسير على خطا تنفيذ الوعود وإعادة ترميم “القيم الأميركية” التي “مرمغها” سلفه دونالد ترامب في الوحل، وقضية خاشقجي مثالية لهذا الهدف لأنها تحقق عدة مصالح في آن معاً، فهي من جهة تعد تحقيقاً للوعود الانتخابية التي ذكرناها سابقاً، ومن جهة أخرى تبقي ابن سلمان تحت عين الإدارة الأميركية خاضعاً بشكل كامل لها وفقاً لقواعد ضبط العلاقة الجديدة التي يفرضها عهد بايدن.
وعليه فإن العقوبات على النظام السعودي قد تكون حاضرة في الوقت والزمان المناسبين من دون تحديد لذلك ما يعني أنه لا عقوبات حالية للقاتل طالما أن سلوكه منضبط وفقاً لمصالح واشنطن أما عدا ذلك لا يهم، وربما ستعاد قضية خاشقجي لتفعّل مستقبلاً مع شعارات “الحقيقة وحقوق الإنسان” التي باتت تحت الطلب كلما احتاجت إليها إدارة بايدن.
رغم أن التقرير أشار بشكل ضعيف إلى دور ابن سلمان في الجريمة لكنه في السياق العام يوحي بعدم الارتياح ويدل على أنه لا تغيير يعول عليه بضبط سلوك النظام السعودي، المنفلت في المنطقة، وإنما في الجوهر يعتمد بايدن سلوكاً مماثلاً لسلفه الذي لا يتوقف عن انتقاده، أي لا تلوح في الأفق سياسة أميركية داعمة للإصلاح ولحقوق الإنسان والضجة المثارة حالياً ستهدأ لاحقاً وكأنها لم تكن.