لا زال ترامب جاثماً على صدور الديمقراطيين رغم أنهم اليوم هم المسيطرون فعلياً على البيت الأبيض وعلى الكونغرس.. ولا بد من السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا؟ إذ إنه من غير المفهوم ومن غير المنطقي أن يكون ترامب مسيطراً عليهم ككابوس يرهنون مستقبلهم بزواله، وبعبارة أدق إزالته، حتى لا يعود بعد أربع سنوات ويصرعهم ليستولي على البيت الأبيض مجدداً، وهذه المرة قد «يؤبد» في المنصب، بمعنى يبقى فيه لولايات متعددة، حتى مماته ربما، وهذا ما قاله ترامب غير مرة مغلفاً إياه بثوب النكتة، وذلك قبل أن تكشف الفترة الانتقالية بينه وبين بايدن -ومن ضمنها أحداث الكونغرس- أنها لم تكن نكتة، فالرجل يرغب فعلاً في حكم البلاد طالما بقي فيه نَفَس.
هناك شبه إجماع على أن ترامب -ولا أي أحد آخر- يستطيع ذلك لأن الدستور الأميركي تمت صياغته بعناية شديدة جداً ليحمي البلاد من الأطماع الشخصية للرؤساء التي تقود إلى الاضطرابات والحروب الأهلية، والحرب الأهلية الأميركية لا تمحى من ذاكرة الأميركيين، وما فعله ترامب دفع بغالبية المحللين والمراقبين إلى اعتبار أن الولايات المتحدة تسير نحو حرب أهلية، وربما كانت هذه نية ترامب فعلاً حتى يحتفظ بالرئاسة، لكنه قرر في اللحظات الأخيرة التخلي عن نيته وتسليم السلطة من دون الاعتراف بالهزيمة، وأرجع الجميع فعلته هذه إلى كم الضغوط الذي تعرض لها خصوصاً وأن البلاد باتت على المحك فعلاً.
بكل الأحوال ومهما تكن الأسباب التي دفعت ترامب للتراجع، إلا أنه تراجع تكتيكي قبل إعادة الانتشار المقررة بعد أربع سنوات، والمرحلة الانتقالية أثبتت أن لديه من الشعبية ما يكفي ويزيد، والتحضيرات بدأت منذ اليوم الأول لمغادرته البيت الأبيض، فيما استطلاعات الرأي تدعمه، والمراقبون يقولون إن ترامب كرس خلال السنوات الأربع الماضية نهجاً لا يمكن إزالته وسيبقى طاغياً على السنوات الأربع المقبلة مهما حاول الديمقراطيون إظهار أنهم الأقوى، أو الاستمرار في «تسويد» سنوات ولاية ترامب وأنها كانت تهديداً للديمقراطية والحريات وكأن أميركا فعلاً دولة ديمقراطية وحريات.
بالأمس بدأت أولى جلسات محاكمة ترامب بهدف «عزله» بمعنى حرمانه من أي منصب سياسي في المستقبل، لكن لا يبدو أن الديمقراطيين حشدوا لهذه المحاكمة ما يكفي ليكون الفوز حليفهم، مقابل أن ترامب حشد جيشاً من المحامين، عدا عن لسانه السليط الذي يعرفه الديمقراطيون جيداً، والأهم من ذلك أن الدستور نفسه يحمي ترامب باعتبار أن محاكمته غير دستورية بعدما بات مواطناً عادياً، هذا ما يقوله محامو ترامب… ولأجل ذلك ما زال الديمقراطيون يخشون ترامب ليس فقط بعد أربع سنوات، بل خلال سنوات ولاية بايدن، إذ إن ترامب أعلن عودته إلى الميدان وليس أمام الديمقراطيين سوى شد الأحزمة.. والبقاء في حالة تأهب دائمة.