من يضبط إيقاع العدوان؟
بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن إعادة ترتيب أولويات بلاده في منطقة الشرق الأوسط، وجاءت البداية من اليمن، حيث أعلن وقف دعم بلاده للعمليات العسكرية السعودية “الهجومية” في اليمن, بالتزامن مع تعيين مبعوث أمريكي جديد لليمن, والبدء رسمياً بإجراءات شطب حركة “أنصار الله” من لائحة ما يسمى “الإرهاب” التي أدرجتها عليها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
قد تبدو هذه الإجراءات الأمريكية للوهلة الأولى خطوة مهمة لتصحيح أخطاء الإدارة الأمريكية السابقة, ولإنهاء معاناة اليمنيين بعد سبع سنوات من العدوان، لكن من يتمعن في تصريحات بايدن حول وقف دعم ما وصفها بالعمليات الهجومية وربطها بتأكيد التزام واشنطن بخطها التقليدي في الدفاع عن السعودية، يدرك أن الشيطان يكمن في التفاصيل, وتحديداً في ماهية هذه “العمليات الهجومية”.
فمن سيحدد معنى العمليات الهجومية؟ السعودية أم واشنطن؟ وما المعايير التي ستعتمد لتصنيف العمل العسكري إذا كان هجومياً أم دفاعياً؟ خاصة أن النظام السعودي منذ عام 2015 وهو يزعم بأن عدوانه على اليمن بأكمله “دفاعي”! رغم ما أسفر عنه من أسوأ كارثة إنسانية جعلت أكثر من 80 % من اليمنيين بحاجة للمساعدات، حسب الأمم المتحدة.
ويشكّك يمنيون بقدرة الإعلان الأمريكي على وضع حد سريع للعدوان على بلدهم، خاصة أنه لا يعبر عن رؤية دولية واضحة حول شكل التسوية السياسية، يأتي ذلك في وقت سارع فيه النظام السعودي كما كان متوقعاً, إلى إعلان ترحيبه بقرار بايدن, ليس من منطلق الانحياز أخيراً للسلام والإنسانية, وإنما لأنه لا يستطيع الرفض بوصفه تابعاً في قراراته للأميركيين ولا يملك قرار الحرب أو السلم, ناهيك أنه وجد في الإعلان الأمريكي “تخريجة” تضمن له الخروج من مستنقع اليمن من خلال وقف الغارات، ومطالبة الجيش اليمني بوقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو عمق الأراضي السعودية، مع إبقاء نظام بني سعود على نقاط الضغط على اليمنيين، وأهمها الحصار الذي سيظل طوقاً خانقاً بحجة أنه بإشراف الأمم المتحدة بذريعة إدخال السلاح إلى “أنصار الله”.
وعليه, لا تبدو سياسة بايدن إزاء الملف اليمني واضحة، بما يكفي للتفاؤل بشأن إنهاء العدوان قريباً، فوقف العدوان يتطلب وقف الدعم العسكري للسعودية، ورفع الحصار عن اليمن ووقف التدخل في شؤونه، وانسحاب كل وجود لدول العدوان عسكرياً كان أم سياسياً من المدن والموانئ اليمنية تمهيداً لإحلال السلام، ومن دون تحقيق كل ما سبق سيبقى العدوان مستمراً على اليمن.