استمرار التبعية
لا تخرج أوروبا من عباءة التبعية لواشنطن في مختلف القضايا العالمية وعلى رأسها الملف الإيراني وخاصة الاتفاق النووي لتقدم مشهداً جديداً في التقلب بالقرارات حول مستقبل الاتفاق، ليردد أحد أقطابها شروط الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب للعودة إلى إحياء الاتفاق، ثم ليتراجع قطب آخر بعد أيام، ويؤكد على فحوى الاتفاق الأصلي الموقع عام 2015 من دون الخوض في تعديلات إضافية.
تماطل أوروبا بإعطاء القرار النهائي حول الاتفاق أو بالأحرى لا تمتلك مفاتيح ذلك القرار، إنما تلعب حالياً في المساحة المتبقية لاستقرار الوضع في الولايات المتحدة ريثما يتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة رسمياً وبالتالي معرفة كيف ستكون طريقته في إدارة دفة الاتفاق لتلتحق به مباشرة في إصرار غريب على التبعية العمياء لواشنطن، وفي تضارب كبير أيضاً مع مصالحها التجارية والسياسية التي يوفرها الاتفاق النووي بحد ذاته, وخلال مرحلة الانتظار التي تبدو وجيزة يستمر الأوروبيون بإطلاق أقوال متضاربة حول مستقبل علاقاتهم مع طهران بانتظار الأوامر لهم من البيت الأبيض.
قبل أيام رفعت أوروبا سقف تهديدها لطهران معتمدة خطاب ترامب العدائي ومؤكدة على التفاوض من جديد حول اتفاق نووي ببنود جديدة تحمل أبعاداً عسكرية تنسجم مع واشنطن وربيبتها “إسرائيل” وتتعدى بنود الاتفاق الأصلي المتفق عليه سابقاً, واليوم تستذكر مصالحها التجارية من الاتفاق الذي بات يناسبها بصيغته الأساسية من دون إضافات.
العجز الكامل طبع أداء الأوروبيين تجاه الاتفاق بعد محاولة ترامب تمزيقه بالكامل عام 2018, واستمرت أوروبا بممارسة الهروب نحو الأمام والتهرب من مسؤولياتها تجاه الاتفاق رغم كل الالتزام الإيراني ببنود الاتفاق وإبداء أعلى مستويات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تضيع أوروبا بين الحفاظ على مصالحها ومجاراة واشنطن، لكن الحقيقة أن أوروبا لا تقوى على أي فعل جدي بمعزل عن واشنطن، وأي استقلال بالقرار غير موجود لأن دور التابع متجذر في أوروبا.