لحفظ ماء الوجه الأوروبي!
لم يكن مفاجئاً أو مستغرباً أن تتمخض القمة الأوروبية التي انعقدت قبل يومين في بروكسل عن عقوبات خجولة ليس لها أي تأثير على الاقتصاد التركي يجبر رجب أردوغان على التراجع عن سياساته العدوانية والانخراط في الأزمات الواحدة تلو الأخرى, فالانقسام في الموقف الأوروبي أفضى إلى عقوبات فردية محدودة تقتصر على شخصيات تركية تعمل في مجال التنقيب عن الغاز في قاع البحر المتوسط, وتأجيل أي خطوات أكثر صرامة, حسب التلويح الأوروبي الممجوج, حتى آذار المقبل.
ما رشح عن القمة التي انعقدت بعد طول انتظار, يشي بأن الغاية منها ليس لجم أردوغان عن الاستمرار بسياساته العدائية وممارساته الاستفزازية خاصة في شرق المتوسط, وإنما لحفظ ماء الوجه الأوروبي بعد أن أحجم قادة الاتحاد عن تنفيذ التهديد الذي صدر في تشرين الأول الماضي باتخاذ تدابير اقتصادية أوسع، ووافقوا بدلاً من ذلك على بيان قمة يمهد الطريق لمعاقبة الأفراد المتهمين بالتخطيط أو المشاركة في تنقيب غير مصرح به قبالة قبرص.
وعليه, جاءت هذه العقوبات مخيبة للآمال خاصة آمال اليونان التي عبر مبعوثوها عن خيبة أمل أثينا من تردد الاتحاد في استهداف الاقتصاد التركي بسبب الصراع على النفط والغاز، فالعقوبات لم تأتِ على مستوى التوقعات ولا على مستوى سياسات أردوغان التوسعية والعدوانية في المنطقة، بل جاءت فردية تستهدف أشخاصاً في حين كانت التوقعات تتطلع لعقوبات تستهدف الاقتصاد التركي أو أركان نظام أردوغان أو حظر تصدير أسلحة أو حظر استيراد من تركيا, للجم أردوغان عن الإيغال بسياساته العدوانية.
تذبذب المواقف الأوروبية إزاء أنقرة وافتقار الاتحاد إلى سياسة موحدة فعالة لمواجهة أطماع أردوغان وعدائيته, جعل الارتباك والانقسام يسيطران على أروقة “الأوروبي” ويحولان دون اعتماد عقوبات ضد قطاعات اقتصادية أو طلب اليونان فرض حظر أوروبي على الأسلحة الموجهة إلى تركيا.
ما جعل أردوغان ينتهز حالة الارتباك التي يعيشها القرار الأوروبي, طالما أن الاتحاد عاجز عن اتخاذ موقف موحد وحاسم في مواجهته.
وعليه, فإن العقوبات الأوروبية التي يعلم الجميع بمن فيهم الأوروبيون أنفسهم, أنها غير كافية ولا رادعة لأردوغان الذي على العكس سيشعر بالارتياح بعد القمة الأوروبية المخيبة للآمال, وسيوغل بسياساته العدوانية في شرق البحر المتوسط وفي غيره من المناطق التي يخوض فيها حروباً ويفتعل أزمات.
واقع الحال الذي من المتوقع أن يفتح الباب واسعاً أمام مطالبات واسعة بسياسة أوروبية موحدة وفعالة ضد نظام أردوغان تضمن ردعه بشكل حاسم عن السياسات العدوانية التي تهدد الأمن والاستقرار.