درس الشعب
سيرحل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قريباً ويبقى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وكأن إرادة الشعب الفنزويلي بانتصارها لمادورو تسخر من ترامب وتصفعه وتلقنه درساً في آخر أيامه، هذه الإرادة هي التي تحدت التدخلات الخارجية والأزمات السياسية والاقتصادية التي اختلقتها واشنطن وساهم فيها ذراعها في الداخل الفنزويلي من قوى المعارضة العميلة.
لم يلتئم الجرح الأمريكي بعد من انتصار اليسار في بوليفيا، حتى انتصر الحزب الاشتراكي المؤيد لمادورو في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً وعاد إثرها البرلمان للحضن الاشتراكي، فالانتصار الناجز يعكس أولاً: مزاج الشعب الفنزويلي الرافض للوصاية الأمريكية، ويعكس ثانياً: حجم التحدي الداخلي للحصار رغم المنعكسات السلبية لذلك الحصار اقتصادياً وسياسياً، وثالثاً: الحفاظ على إرث تشافيز الرافض للهيمنة والسطوة الأمريكية.
الفوز يعني انتصار الديمقراطية الحقيقية وعبر الدستور على “الديمقراطية” الأمريكية المزيفة، وعلى الطرق غير الدستورية التي قادتها أمريكا عبر معارضة الداخل العميلة لتخريب البلاد وزعزعة أمنها واستقرارها ونهب ثرواتها، وتحويلها من دولة اشتراكية تعمل لمصلحة الشعب وتولي الاهتمام بالطبقة العاملة، إلى دولة رأسمالية تخصخص الشركات وتحصر ملكيتها في أيدي الطبقة الغنية بما يخدم في نهاية المطاف الأجندات الأمريكية.
اليوم فنزويلا هي من انقلبت على أمريكا وليس العكس، فالشرعية الحقيقية حافظت على مكتسباتها، والمخططات الفنزويلية البناءة أجهضت المخططات الأمريكية الهدامة وغير الشرعية، أي إنه انقلاب مضاد يحصن البيئة الداخلية من العبث الأمريكي، وهو ما يمكن البناء عليه والتأسيس لمرحلة من التفاهم والحوار السياسي بين أطياف المجتمع وبالأخص بين الحكومة ومعارضة وطنية تدرك المخططات الخارجية و ترفض الانسياق خلفها وتفضل الالتفات لإصلاح الداخل عبر الحوار.
خوان غوايدو متزعم المعارضة العميلة لواشنطن بات خارج المشهد راهناً، وفي هذا ضربة كبيرة لواشنطن ولكل مساعيها في السيطرة على فنزويلا عبر غوايدو، لذلك فانتصار صوت الشعب الفنزويلي يعد تحدياً كبيراً لواشنطن التي شككت بنتائج الانتخابات حتى قبل صدورها وفي هذا دليل واضح على أن الولايات المتحدة كانت تنتظر هزيمتها المُرة وتدركها.