حماية بمياه باردة!!

لم يكن الحصار الاقتصادي المفروض وليد اللحظة، فمنذ عقود طويلة يعيش السوريون تحت وطأته, وإن كان اليوم أكثر شدة من دون أن يتسبب بتحويل سورية إلى بلد مستورد، بل على العكس تماماً كان دافعاً قوياً للاعتماد على الذات وتحقيق اكتفاء ذاتي منع الاقتصاد المحلي من الانهيار بعد ضربات قوية مخططة استهدفت قطاعاته الأساسية, وكذلك وقوفه على قدميه ونهوضه مجدداً متكئاً على قطاعي الزراعة والصناعة اللذين تعلو الأصوات لمنحهما دعماً متوازناً لا يخدم فقط «الطرابيش» الوازنة والبدء بتفعيل جدي لسياسة «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع» عوضاً عن التغني المستمر بها.
ارتفاع فاتورة المستوردات على نحو أرهق الخزينة والحكومة نفسها بعد سلسلة أزمات متتالية فاقمتها صعوبات الاستيراد من جراء الحصار وتكلفته العالية، دفع أهل الكراسي لاتخاذ قرار استراتيجي يعزز مقدرات اقتصادنا ويقوي قطاعاته في استعادة تدريجية لمسار اكتفائنا الذاتي عبر برنامج «إحلال المستوردات» بإعداد قائمة من 40 سلعة لتصنيعها محلياً بدل استيرادها بتكلفة باهظة، وهذا لم يكن متاحاً خلال سنوات الحرب الأولى بسبب تضرر بنية الاقتصاد المحلي الكبير، لكن حالة التعافي التدريجي, وإن كان بطيئاً أذن بتطبيق هذا الأمر الجوهري الذي لن يخفف من مخاطر العقوبات الاقتصادية ويخفض فاتورة المستوردات فقط، وإنما سيضمن تأمين بدائل محلية زراعية وصناعية بخبرات أهل البلد على نحو يؤسس مجدداً لصناعة قوية ويعيد بوصلة الاهتمام إلى الزراعة دعامة اقتصادنا الأساسية، وهنا تكمن قوتنا الاقتصادية، ما يقتضي تعاون جميع الجهات لإنجاح برنامج إحلال المستوردات في أسرع وقت للتخلص من عقدة المستورد والأجنبي, وإعطاء دعم جماعي للمنتج المحلي.
غاية برنامج «إحلال المستوردات» وحملة مكافحة التهريب واحدة، وتتمثل في تقوية شوكة المنتج الوطني ليقدر على المنافسة وليس الخروج من دائرتها، عبر منحه حماية مطلقة تضمن وضع أقدام الصناعيين «في مياه باردة» لعدم وجود منتج منافس، ما سيؤدي إلى إنتاج سلعة رديئة بسعر مرتفع يدفع المواطن ضريبته، وهذا ما لا يريده الرسميون وأهل الصناعة الحقيقيون، لذا المطلوب وضع سياسة حمائية متوازنة تدعم الصناعة فعلياً, ويكون زبدها تصنيع سلع منافسة سعراً وجودة تنصف جيب المواطن والصناعي وتبعد شبح المهربات والمستوردات «الستوك» في الوقت ذاته.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار