المتتبع للاقتصاد السوري خلال العقود الماضية، والقارئ لظروفه، والمراحل التي مر فيها من ازدهار في سنوات وتراجع في أخرى، واستقرار نسبي في بعضها يكتشف تماماً حالة الضغوط التي كانت تمارس عليه والمتمثلة بالحصار الاقتصادي الجائر أحادي الجانب بأشكال متعددة، وأساليب مختلفة ظهرت منذ عقد ثمانينيات القرن الماضي وصولاً إلى ظروفنا هذه، وتعايشنا معها بالعودة إلى الأرض والمصنع، والعيش المنزلي المحدود، وصولاً لاقتصاد كلي انعكس بإيجابياته على العيش وفق الإمكانات المتاحة واستهلاك ما ننتج سواء على الصعيد الصناعي أو الزراعي والحيواني، وقوي الاقتصاد بذلك وحققنا الاكتفاء الذاتي في معظم المجالات.
وتالياً سر هذا الصمود القوي خلال سنوات الحرب الحالية كل ما ذكرت، وما زال مستمراً على الرغم من تكرار سيناريو الحصار مجدداً، لا بل عقوبات تجاوزت حدود الأخلاق والإنسانية تناولت لقمة عيش المواطن والدواء والغاز والمازوت وغيرها .؟!
لكن تجارب الماضي مع محاصرة الحصار كانت ناجحة على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتعليمية وحتى الثقافية والتي كان عمادها الأساس الاعتماد على الذات واستثمار الممكن المتاح لدى الدولة والمواطن في الأرض والمصنع والمتجر والمدرسة وغير ذلك، حريٌ بنا أن نستفيد منها وتطبيقها مجدداً، والاهتمام أكثر بالاقتصاد المنزلي الذي يسمح بتنفيذ مشروعات صغيرة مدرّة للدخل، نستطيع من خلالها تحقيق ميزان اقتصادي رابح على صعيد الأسرة والمجتمع المحلي المحيط بالمشروع ذاته وخاصة المشروعات التي تديرها المرأة، أو مشروعات أسروية مشتركة تشكل في طبيعتها انسجاماً اقتصادياً مهماً يطول الجميع بمردوده الإنتاجي الذي ينتشر ضمن حدود جغرافية واسعة لأن المشاريع المنزلية الصغيرة لا تهدف لاكتفاء الأسرة فحسب، بل لتأمين الربح المادي من خلال زيادة الإنتاجية وتصريفها لدى الآخرين، لكن للوصول لذلك لابد من إجراءات داعمة من قبل الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية وخاصة التي تمتلك رأس المال الذي يدعم الاقتصاد المنزلي ومشروعاته، إضافة للجهات المسوقة والناقلة التي تساعد في تقديم المعونة، عند ذلك نساهم جميعاً في نمو اقتصاد منزلي يحقق الاكتفاء الذاتي في معظم السلع للمواطنين والاستغناء كلياً عن المستورد.. فهل تفعلها تلك الجهات وتساهم في نموه..؟!