المشكلة في عمل القطاع الحكومي طريقة التعاطي التي تفرضها حالات التغيير في المناصب, فالخلف لا يعجبه عمل السلف, ويضرب عرض الحائط بكل ما أنجز, صواباً كان أو خطأ, ويعيد ترتيب الأوراق من جديد, ويرسم استراتيجية جديدة للعمل, تبدأ من الصفر, ويعيد معها كل تفاصيل العمل اليها مع خسارة للوقت والجهد والمال العام وهذا ما يحدث في كثير من الوزارات…!
والمثير في رسم الاستراتيجيات تجاهل أمور خطيرة جداً, أهمها إعادة ترسيخ مفاهيم الوظيفة العامة على أساس الخبرة والكفاءة, وحب العامل لعمله, وخاصة أن الأزمة تركت الكثير من الآثار السلبية عليها وأوجدت ترهلاً وظيفياً خطيراً مع دخول مفاهيم لا تخدم العملية الإنتاجية والخدمية في كثير من القطاعات ليس في القطاع العام فحسب بل الخاص أيضاً, منها على سبيل المثال لا الحصر: انتشار ظاهرة الأنا, وشخصنة الوظيفة, وشرعنة سرقة المال العام تحت مسميات مختلفة, وحجج محكومة بسلبيات الأزمة, مقابل تراجع في الأداء الرقابي وضعف في تركيبته, وظهور فساد يحميه الترهل الإداري, واستغلال المناصب للتعتيم والتشويش على المسؤولية الوظيفية, وأخطرها بطالة مقنعة تحت مسميات أيضاً مختلفة ومتنوعة..!؟
لكن الأخطر من ذلك محاولة البعض تفريغ القطاع العام من كفاءاته وخبراته واستبعاد الشرفاء من الموظفين, لأنهم خطر يهدد بقاء الفاسد في مفاصل العمل على اختلاف درجاته وتنوع مسؤولياته..؟
وتالياً هذه الحقائق لم تكن غائبة, بل كانت حاضرة في فكر واضعي الاستراتيجيات وراسمي الخطط, وإنما حالة التهميش هي السائدة وخاصة لجهة المكون البشري والخبرات والكفاءات التي تشكل المكون الأساس لنجاح تلك الاستراتيجيات وتنفيذها على أرض الواقع بما يخدم المصلحة العامة في الإنتاج والعائد المادي..!؟
لكن تجاهل المكون البشري, على الرغم من الإشارة إليه في بعض بنود الاستراتيجيات, أمر خطير, ولتلافي ذلك لابد من استثمار كل الخبرات والطاقات المهدورة, لأنها وحدها القادرة على تنفيذ سياسة المرحلة المقبلة التي تشهد إعادة بناء وإعمار المكونات التي تعرضت للتخريب..!