«ماكجوب» سياسي
«الماكجوب» مصطلح «عامي» لوصف أي وظيفة لا تتطلب مهارة عالية لشغلها، ولا ترقية فيها، وتفتقر إلى الأمن الوظيفي.
والولايات المتحدة الأمريكية، المشبعة منذ نشأتها بالنزعات اللصوصية، والتي ما فتئت تنظر لنفسها على أنها «زعيمة» العالم الحر (نظرية القدر المتجلي)، والتي تنمو بالجشع والقوة، لن تتوانى عن التحوّر وإعادة التشكّل الاستعماري بما يناسب الظرف الراهن والواقع، لتكون حاضرة بلباس استراتيجي يناسب (الكَمّ والنَّوع) لأهدافها ومشروعاتها الاستعمارية، فحلمها بالتوسع مازال قائماً «تبرره» أفكار تنظيرية باستحواذات مادية يجب أن تكون دائمة الحضور على المائدة السياسية الأمريكية لتلهي بها مواطنيها وأنصارها ممن يقتاتون على فتات سياستها الاستعمارية.
وهاهي اليوم تجنّد (ماكجوب) مسيّساً من العمالة الجاهزة لتحقيق أهدافها، تساندها أدواتها بتقديم كل أنواع الدعم لتأمين التكلفة المادية واللوجستية لمرتزقتها من «الماكجوب» لتشغيلهم موظفين مأجورين، مهمتهم خلق الفوضى والتوتر في شوارع دول عصية على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولأن إيران دولة ذات ظل سيادي في ميزان القوة، وتنافس أمريكا في السياسة والاقتصاد والسلاح، وقد أرهق الحضور الإيراني أمريكا التي لم تستطع التأثير فيه، أو تهديده سياسياً أو عسكرياً، فقد حاولت أمريكا هذه التسلل تحت عباءة «الماكجوب» المأجور، في محاولة منها لهزّ استقرار الدولة الإيرانية- التي لها دور أساس في التوازنات الاستراتيجية- وإضعاف مؤسساتها ودفع قيادتها «للتراجع والتنازل» عن مواقفها تجاه قضايا المنطقة في وقت حساس لناحية تشكيل مسار المنطقة ما بعد انهيار تنظيم «داعش» الإرهابي، وفي محاولة من منظومة العدوان «لإضعاف» محور المقاومة بتنفيذ سيناريو كانت قد استخدمته في سورية، وتعمل اليوم على تكرار التحركات الهوليودية نفسها، حيث الحراك يبدأ «سلمياً» بشعارات إصلاحية، ثم لا تلبث أمريكا وأعوانها وأزلامها أن يستثمروه، ليتحوّل فيما بعد إلى مواد إعلامية لمشاهد قتل وتخريب يظهر فيها الوجه الحقيقي لمشغلي «الماكجوب»، وتفرز المرتبطين بأجندات خارجية، والذين يسعون لنشر الفوضى والتخريب في الممتلكات العامة والخاصة، وليشعلوا بالنيابة عن أمريكا أوطانهم على نار سياسية أمريكية هادئة.
وحتى يكتمل السيناريو العدواني، لابدّ من «لقطات إنسانية مؤثرة» تقوم بها نيكي هايلي بالنيابة عن حكومتها، حيث تركض لاهثة لتحقيق جلسة أمن طارئة لمناقشة الوضع المستجد في إيران، وبصورة مبتذلة تتجاسر فيها أمريكا بادعائها «الخوف على الشعب الإيراني، والوضع الإنساني الذي لن تسمح بتدهوره!»، معوّلة على أن «سِلْمَ وأمنَ إيران هما مسألة سلام وأمن دوليين».
ولم تكتفِ إدارة ترامب بالتهويل بالوضع الإيراني والاستمرار بالتحريض على أعمال الشغب، ووعدها المشاركين في تلك الأعمال بتقديم الدعم اللازم لهم، بل استمرت بتكثيف الضخّ للصور الاستفزازية المفضوحة الغايات «بإنسانيتها» المزيّفة التي تحاول أمريكا تقمّصها، لكن ذلك لم يمر على مجلس الأمن الدولي، فحتى فرنسا حليفة الولايات المتحدة اعتبرت أن ما جرى في إيران لا يشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وأنه يجب ألا يتم استغلال الأزمة الحالية لأهداف أخرى من شأنها أن تؤزّم الأوضاع على الساحة الدولية.
وفي حين اتّهمت بوليفيا الولايات المتحدة باستغلال الوضع في إيران لأهدافها السياسية الخاصة، ودعت إلى عدم التدخّل في شؤون الدول الداخلية، سارعت روسيا، ومنذ البداية، إلى عدّ التظاهرات شأناً داخلياً، وأن «التدخل الخارجي المتسبب بعدم استقرار الوضع لايعدّ مقبولاً».
إذاً، الفيلم الأمريكي الطويل قد فشل حتى قبل استعراضه، لأن المموِّل والمستثمِر بات اسماً محروقاً، وباتت فيه أميركا و«إسرائيل» الشيطان الأكبر والأخطر على الساحة العالمية.
m.albairak@gmail.com