بلاد العُربِ أوطاني
في محرك البحث «غوغل» لو حاولت كتابة اسم فخري البارودي لظهرت لك صورته بالأبيض والأسود، كما هي قصيدته (بلاد العرب أوطاني) التي تعد أحد أشهر الأناشيد القومية العربية.
فخري البارودي السياسي والشاعر العربي السوري لم يكن يعلم أن وفاته سيكون لها تأريخان، عام رحيله عن الدنيا وعام اغتصاب قصيدته من قبل غسان وعدنان، حيث بلاد العرب بات أغلبها مطيّة للعدوان، وأبوابها مشرعة للتطبيع مع «إسرائيل» الكيان الجاثم على أرض عربية محتلة، والشام وبغدان واليمن مأزومة من أشقاء يجمعها بهم لسان ضاد لكنهم يسعون جاهدين لتنفيذ الأجندات الغربية، والمدنيّة التي سلفت أمست هي القدس بفعل صهيو-أمريكي ولا عرب يهبون في وجه دهاة الإنس والجان لإحياء عروبتها.. فأين هي بلاد العرب أوطاني، بينما القدس يراد لها، وبفعل فاعل معلوم، أن تكون «عاصمة» للكيان الصهيوني، ولا أحد يتجرأ على إعلان المواجهة ضد القرار غير الشرعي إلا الداخل الفلسطيني ومحور المقاومة، أما البقية الباقية فتسارع الخطا مهرولة لتحقيق كمٍّ أكبر من «الإنجازات» التطبيعية مع «إسرائيل» استراتيجياً واستخباراتياً واقتصادياً من دون أي اشتراطات… «يجتهدون» باقتناص لحظات الخنوع ليدخلوا في كتاب (صفقة القرن) حلفاء ومشاركين أساسيين في تمدد الدور الإسرائيلي.. ولأنهم، وفق زمرة دم شارعهم (عرب)، تماشوا وأصواته وقاموا بعقد قمة وصفتها صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية بأنها كشفت الوجه الحقيقي للمسلمين وانقساماتهم.
«جيروزاليم بوست» التي نشرت تقريراً موسعاً عن القمة عنونته بـ «تحليل القمة الإسلامية حول القدس» شرحت فيه تفاصيل الحضور الرسمي للقمة دولة دولة، ومستوى التمثيل والحضور، و«بروباغندا» تحالفاتها وخصامها مع أشقاء وأصدقاء يشاركونها مقاعد القمة، حتى إنها أشارت إلى أن الملك الأردني كان في تركيا وقت إعلان قرار ترامب.
وتابعت الصحيفة أيضاً كيفية نقل الفضائيات العربية لها، وانتبهت مثلاً إلى أن الإعلام السعودي عرض أخبار الطقس والاقتصاد وقت حديث أردوغان في القمة!! قمة ليست بالمستثناة من القمم السلبية السابقة حيث لا قرارات مهمة ولا نتائج جدية، وبيان اسطنبول لم يكن إلا تكريساً للاحتلال الإسرائيلي واعترافاً به وتمكيناً لقبول يهودية كيان يطمح للقدس «عاصمة»، وسيعمل على شطب حقِّ العودة، وسيرسم خريطة استعمارية جديدة، والأنكى أنه سيسعى للمزيد من تزوير التاريخ وعلى «أعينكم ياعرب».. حتى إن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يدعو الفلسطينيين إلى الاعتراف بالأمر الواقع بدلاً من التحريض وتصعيد الأوضاع قائلاً: (إن الكثير من الدول ستعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»)، وكيف لا يفعل ذلك والجبير بعد القمة مباشرة يعلن أن لديهم خريطة طريق لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل» بعد اتفاق سلام مع الفلسطينيين؟! فعن أي سلام تتبجح وترامب يحتفي مع عائلته وحفيديه اليهوديين أولاد (ايفانكا وكوشنر) بعيد «الحانوكا» و«بإنجازه» (الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل») في معبد يهودي يهز فيه ترامب رأسه مسلطناً للترنيمات اليهودية، ويوزع الابتسامات على حفيديه وهما يقومان بإشعال الشمع إيذاناً ببدء ليالي «الحانوكا» الذي يعني بالعبرية (تدشين وترميم هيكل سليمان).. فهل تعجّل ترامب وساسة «إسرائيل» بفضح نياتهم، أم إنهم يطبقون سياسة (دق الحديد وهو حامي) حيث أغلبية الحكومات العربية شبه نائمة، وأثير فضائياتها مشغولٌ ببث توقعات المنجمين للعام القادم، وأغانيها بعيدة كل البعد عن ألحان الأخوين فليفل وكلمات البارودي التي ماعادت توقظ جمراً ولا رماداً في «نخوة» بعض الحكام.
m.albairak@gmail.com