صمت السوريين المطبق لم يكن دائماً سيفاً بيد النظام البائد.. ماذا عن اتهامات “التكويع” والمهاترات على وسائل التواصل الاجتماعي؟
الحرية- إلهام عثمان:
منذ سقوط النظام البائد، ومنصات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وغيرها تشهد جدلاً متزايداً حول اتهامات التكويع والمهاترات بين الناس، حيث يلقى اللوم أحياناً على صمت غالبية السوريين في فترة حكم النظام، أو تحولهم من مؤيد للنظام إلى معارض له، إلا أنه لو أمعنا النظر قليلاً.. لوجدنا أن هذا الصمت والتأييد ليس دليلاً على القناعة للمعظم، بل هو نتاج حالة الخوف التي عاشها المواطنون بكل أطيافهم تحت وطأة نظام قمعي، إذ يستدعي الأمر تسليط الضوء على هذه الظاهرة الاجتماعية وتأثيرها على النسيج الاجتماعي السوري ككل.
كلمات قائد الإدارة السورية الجديدة خلال آخر لقاء معه على منصة “يوتيوب”، كانت دليلاً على أهمية انتهاء التجاذبات وكيل الاتهامات حتى في العالم الافتراضي، لأنها تولد مع التكرار حقداً له عواقب وخيمة على المجتمع والوطن، إذ أكد أنه لا يحب كلمة “تكويع”، طالباً من الناس عدم استخدام هكذا عبارات، قائلاً: “أحسنوا الظن”، فالناس كانت خائفة في عهد النظام البائد..
هذا إضافة إلى التعاميم الصادرة عن القيادة العامة والتي تدعو إلى عدم تداول العبارات المستفزة والشتائم والكلمات الطائفية..
أحمد الخطيب يعمل في بيع الألبسة، يبين ل”الحرية” أنه لم يكن موظفاً في الدولة، أو على علاقة بأحد من النظام السابق، لكنه فوجئ بالتعليقات عندما وضع علم البلاد الجديد على “بروفايل” محله في “فيس بوك”، حيث جاءت تعليقات تتهمه بالتكويع وتكيل له الشتائم، حتى من أناس يعلم بأنهم كانوا على رأس احتفالات النظام السابق، متسائلاً: هل السبب هو خوفهم غير المبرر من المرحلة الجديدة؟، مضيفاً: غالبية من كانوا يعيشون في ظل النظام لم يملكوا الخيار بسبب خوفهم على أرواحهم وعلى رزقهم وعائلاتهم من بطش النظام وأجهزته الأمنية.
أم محمد و أم جعفر، جارتان في ذات البناء منذ عشرين عاماً، وهما رمز للصحبة الصادقة، وتقول إحداهما: لا يحلو فنجان قهوتي الصباحي دون أن أراها، كنا وما زلنا جيراناً نتقاسم أفراحنا وأتراحنا، ولم تفرقنا تلك الكلمات التي ينفثها البعض: “أنت من وين؟”، فالتعايش والمحبة وإيماننا بأننا أبناء سوريا أكبر من أي مسمى آخر.
جسد سوريا
شهد الشعب السوري تنوعاً ثقافياً ودينياً على مر الزمان، جعل منه مجتمعاً غنياً بالتجارب والتاريخ، هذا ما أكده الخبير الاجتماعي كنان الصالح من خلال حديثه مع ” الحرية”، إلا أن هذا التنوع نفسه أصبح عرضة للتقسيم والاختلاف في ظل الظروف السياسية القاسية التي مر بها النسيج السوري، لافتاً إلى أن كثيراً من الأشخاص يتحدثون عن حالة الصمت التي سادت صفوف بعض السوريين كدليل على الانصياع للسلطة، بينما يراها آخرون كـ”استراتيجية بقاء”. فالمواطن السوري الذي أطاح حلمه قنبلة أو قيد اعتقال، قد يختار في بعض الأحيان الصمت ليحافظ على حياته وحياة عائلته.
الخوف عدو الصوت
وهنا يكشف الصالح أن هناك أفراداً قد يترددون في التعبير عن آرائهم نتيجة للتهديدات التي تطال حياتهم أو حياة أحبائهم، خاصة بعد الاعتقالات العشوائية التي مارسها النظام، وما تلاها من تلفيق تهم للأشخاص المعتقلين، كل ذلك أدى لصمت العديد من السوريين، والذي لم يكن قناعة بل رغبة في البقاء بعيداً عن الخصوصيات السياسية التي قد تعرضهم للخطر.
الفيس مسرح الاتهامات
ومع تفشي سلوك التكويع، ووفق رأي الصالح، يصبح الفيسبوك مسرحاً للاتهامات المتبادلة بين الأفراد، ما يساهم في تآكل الروابط الاجتماعية، وللأسف يستخدم هذا المنبر في بعض الأحيان لتصنيف الآخرين، بناءً على مواقف سابقة أو عدم الانخراط في الاحتجاجات، مما يعزز الفجوات بدلاً من توحيد الجهود نحو بناء مستقبل أفضل.
ثقافة التعايش
كما أوضح الصالح أنه على الرغم من الصعوبات التي عاشها الوطن، تمكن الشعب السوري من تعزيز ثقافة التعايش السلمي بين جميع مكوناته، نعم، توجد تحديات، ولكن هناك أيضاً تجارب إيجابية في التلاحم والتعاون، حيث يعتبر التعايش أحد الدروس المستفادة من التاريخ، وعبر الزمن، أثبت السوريون قدرتهم على العيش سوياً بروح من المحبة والاحترام، وكانوا دائماً يتجاوزون خلافاتهم للتعبير عن قيم مشتركة.. كيف لا وهم من تنفسوا ذات الهواء وعاشوا تحت سماء وطنٍ واحد.
وختم الصالح: نقاشات الفيسبوك، رغم ما تتضمنه من مهاترات وتكويع، يجب ألا تنسينا أن الخوف لم يكن إرادة حقيقية، بل من أدوات البقاء في مواجهة النظام، فمن المهم إدراك أن كل صمت لا يعكس بالضرورة تأييداً، بل قد يكون تعبيراً عن خوف دائم من سلطة قاسية. ورغم كل ذلك، يبقى الأمل موجوداً في إمكانية بناء مجتمع متماسك يتجاوز اختلافاته في الأهداف والرؤى، من خلال التفاهم والمحبة، وتعزيز قيم العيش المشترك، لبناء الجسور الخضراء بدلاً من أن نشيد الحواجز الملطخة باللون الأحمر.