تمخض الجبل فولد «دُعْفُوصاً»
تشرين- ادريس هاني:
حين نقارن بين مستوى التناسب بين ردات فعل الاحتلال تجاه المدنيين في الأراضي المحتلة أو في لبنان وبين نسبتها تجاه طهران كما أنبأت الضربات الأخيرة، ندرك أمرين يصعب أن يظهرا في سياق حروب الدّعاية الفائقة:
الأول: أنّ هناك مخرجات للجولات المكوكية التي قامت بها الخارجية الإيرانية خلال الأسابيع الأخيرة إلى دول الجوار.
الثاني: أنّ واشنطن لم تشارك في هذه الضربة المباشرة.
ولمزيد من التفصيل، فالخارجية الإيرانية شرحت بما يكفي أنّها ستكون مضطرة لتوجيه ضربات موجعة لكل القواعد التي يمكن أن ينطلق منها الاحتلال في شن عدوان على أراضيها، وهو ما سيجعل بعض الدول في مأزق، وسيوسع من دائرة الحرب، وقد نددت بناء عليه دول عربية رئيسية بالضربات التي انتهكت سيادة طهران، وعلى رأسها الرياض وأبو ظبي والكويت ومسقط والقاهرة وبغداد ودمشق وبيروت وعَمّان الخ.. وكانت طهران قد اتفقت مع الرياض لإجراء مناورة عسكرية مشتركة.
من جهتها حذرت واشنطن حكومة الاحتلال من ضرب مواقع استراتيجية مثل مواقع النفط والمواقع النووية، طبعاً هذا يؤكد أنّ استهداف ذلك سيجعل الرد حتمياً وتكلفته عالية، هذا ما جعل المعارضة داخل الكيان يعيبون على رئيس حكومة الاحتلال بأن الضربة لم تكن موجعة كما سبق ولوّح الكيان، سخرت بعض الأصوات من تلك الضربة التي لم تؤثّر، ما أظهر الكيان في حجمه الطبيعي عاجزاً عن تحقيق ضربة موجعة لطهران.
رئيس حكومة الكيان الذي وجد في الظروف التي تسبق الانتخابات الأمريكية فرصة لإنهاء ملف محور بكامله، يسابق الزمن عبثاً، لو أدرك ما يقوله خبراء أمريكيون ومنهم هنتنعتون، إنّ الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحمي الكيان إلى الأبد، لأدرك جوهر مأزق الاحتلال، والكيان يعرف أن ذلك هو تحديداً موعد تفكّكه.
دعت دول غربية بما فيها واشنطن وبريطانيا إلى إنهاء القصف المتبادل بين الكيان وطهران، هذا يعني أنّ قواعد الاشتباك هنا مختلفة تماماً، فخلال السنوات السابقة كان الكيان يلوّح بضربة لا محالة لإيران، ضربة لن تقوم بعدها إيران أبداً على حد زعمه، واشرأبّت أعناق لهذا الحلم أكثر حتى من الكيان، وها هو في نهاية المطاف، وفي ذروة الهيستيريا وخرق القواعد، لم يفعل إلاّ بقدر ما قالت الصحافة داخل الكيان: تمخض الجبل فولد فأراً.
الوضعية الجغرافية وحدها تجعل ضربة كبيرة لإيران مدخلاً لاحتراق المنطقة برمتها، وحتى وإن راهن الكيان والغرب على النفط العربي في مساندة مشروعه، يظل السؤال: وهل سيبقى أصلاً نفط في المنطقة؟ إنّ الحرب هناك ليست نزهة، لاسيما حين تصبح في منطقة غرب آسيا، وجنوب غرب الهارتلاند، لن تكون بالتأكيد نزهة إلاّ في أحلام من لا عهد لهم بالحرب ومستحقّاتها الجيوبوليتيكية.
قصف الاحتلال مواقع زعم أنّها مهمّة، فيما طهران تؤكد أنّها ليست كذلك، لا يتعلق الأمر فقط بدعاية الحرب، بل ثمة ما هو أبعد من ذلك، فبنوك الأهداف التي يتم تزويد الكيان بها من قبل عملائها المعروفين أو حتى بعض سماسرة المعلومات الذين يعرضون أنفسهم خبراء في الشّأن الإيراني، يقدمون إحداثيات زائفة، ما يعني أنّ الكيان يخضع لنصب واحتيال من قبل عملائه في المنطقة، لأنّهم يعطونه معلومات زائفة، وقد أعلنت طهران قبل ذلك، بأنّ أي استهداف لمواقعها الاستراتيجية سيؤدّي إلى مسح الكيان من الخريطة من خلال ضربات مكثفة ومضاعفة، وقد قارنت المعارضة داخل الكيان بين ضربة طهران وضربة الاحتلال، واعتبروا أنّ ضربة طهران السابقة شلّت الاحتلال.
هذا المستوى من قواعد الردع لا يمكن أن يُفهم إلاّ على قواعده في فنّ الحرب، ومن يجهل فنون قتال الشّوارع، كيف سيفهم فن القتال بين الدّول؟ لا ترتهن الحروب للتمنّيات، بل هي استراتيجيا وتخطيط وإرادات وحقائق ما خفي منها أكبر مما يظهر.
والسؤال الأساسي، هل هذا الوضع القائم على أساس تثبيت قواعد اشتباك جديدة، يمكن أن يصبح ورقة في اتجاه خفض العدوان على غزّة ولبنان؟ هل سيدرك الغربي خطورة ما تقوم به حكومة اليمين المتطرف من تهديد لمصالحه في المنطقة للجم هذا الدُّعفوص العابث بمصير المنطقة والعالم؟
وفي كل الأحوال، وفي الوقت الذي يتلقّى رئيس حكومة الاحتلال وابلاً من الانتقادات والتجبين من قبل معارضيه، استيقظت طهران على يوم هادئ وكأنّ شيئاً لم يحدث، لأنّ مساحة الكيان كلّه لا يشغل إلاّ «خيبان» في «روستا» إيرانية.
كاتب من المغرب العربي