هل دخل المسرح السوري غرفة الإنعاش حقاً؟.. تغييب كامل للمشاركات السورية المسرحية في المهرجانات الدولية!
تحقيق: ميسون شباني:
تاريخ ثقافي عريق صنعه السوريون بجدارة وحفروا بصمتهم وحضورهم على جبين الثقافة العربية، ويعود الفضل إليهم في انتشار الحركة المسرحية وانطلاقها إلى العالم من مارون النقاش إلى أبي خليل القباني رائد المسرح العربي، الذي وضع اللبنة الأولى لأسس المسرح ممهداً لمن بعده الطريق إلى فضائه الكبير..
أسماء سورية كبيرة اعتلت فضاء المسرح وأثرت في الحركة الثقافية والمسرحية وأسهمت بشكل ما في وجود نهضة لا تنكر، جعلت من دمشق جاذبة للكثير من المسرحيين العرب ومعلماً فنياً ومسرحياً برواده أمثال: رفيق الصبان، فواز الساجر، ممدوح عدوان، سعد الله ونوس، اسكندر فرح، وليد إخلاصي، مصطفى الحلاج وغيرهم..
الحاضن الأكبر
إذاً كانت دمشق الحاضن الأكبر للمسرح العربي بفعالياتها ومهرجاناتها الثقافية فماذا حدث؟ ولماذا هذا التراجع؟ وهذا التغييب لمسرحنا عن المهرجانات الدولية حيث بات مسرحنا السوري من آخر اهتماماتها؟ ولماذا لا تتم دعوة العروض السورية إلى المهرجانات العربية؟.. أسئلة كثيرة طرحتها (تشرين) على بعض المسرحيين السوريين لنعرف على من تقع اللائمة في هذا التغييب الذي يبدو مقصوداً.. فمن المسؤول؟
اتهامات.. والأصابع تشير إلى وزارة الثقافة..
آخر اهتماماتهم
يقول الفنان هشام كفارنة: المسرح السوري يعاني من أزمات كثيرة، وهي ليست وليدة الحرب، بل من سنوات سبقت الحرب بكثير.. وهو يعاني من الإهمال وغياب الدعم الذي اتجه بمجمله نحو الدراما التلفزيونية، ومع ذلك لم يخل الأمر من مبادرات فردية أو جماعية، ومازال الاهتمام بدعم المسرح والعاملين فيه آخر سلم اهتمامات القائمين على الثقافة.. ومع ذلك فإن تلك المبادرات كانت ومازالت بمثابة بارقة أمل يتعلق بها المسرحيون السوريون.
خيبة أمل
وبخصوص تغييب الأعمال المسرحية السورية عن المهرجانات؛ يجيب كفارنة: ثمة اتفاقات تنظم عمليات استضافة الفرق في المهرجانات المسرحية، وتتضمن بند أن تقوم الجهة المستضيفة بتغطية تكاليف الإقامة والإعاشة والتنقلات الداخلية في البلد المضيف، وأن تتحمل الجهة الموفدة تكلفة تذاكر الطيران، لكن بموجب التوجيهات المرتبطة بترشيد الإنفاق على الإيفاد، فقد تم حرماننا من الحصول على تذاكر السفر، وبالتالي عدم إمكانية المشاركة كما حصل لمسرحية “بيت الشغف” نصي وإخراجي والتي شاركنا بها في مهرجان بغداد الدولي حيث قدمت لنا شركة “أجنحة الشام” للطيران مشكورة عشر بطاقات سفر ذهاباً وإياباً، ولكن لم نستطع المشاركة في مهرجان “قرطاج” لعدم توفر التذاكر، رغم أن العرض كان مدرجاً ومعلناً عن مشاركته في المسابقة الرسمية، والأمثلة على مثل هذا الأمر كثيرة، وتشعرنا بخيبة أمل، حيث إننا نمتلك القدرة على المنافسة وتحقيق حضور متميز وانتزاع الجوائز باسم بلدنا.
انتظار وتوبيخ
من جهته يؤكد الكاتب الصحفي والمسرحي سامر محمد إسماعيل أن وزارة الثقافة لا تقدم أي شيء، وطلب الإيفاد دائماً مذيل بعبارة: “على ألا تتحمل الدولة نفقات الطلب”، وفائدته فقط بأن الفرقة المسافرة لا تصرف المئة دولار على الحدود عند عودتها من المشاركة في أي مهرجان، ولكنها لا تقدم بطاقات سفر ولا أي ليرة سورية واحدة منذ عام ٢٠١٨، الأمر الذي جعلنا نخاطب وزير الثقافة التونسية بأن الفرقة السورية؛ فرقة المسرح القومي تشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان “أيام قرطاج المسرحية” ولولا مخاطبته عبر البريد الإلكتروني واستعطافه ليرسل بطاقات لنا لما شاركنا في المهرجان عبر عرض “تصحيح ألوان”، وهو من تأليفي وإخراجي وبطولة كل من يوسف المقبل، مريانا معلولي، وما كنا شاركنا في المهرجان علماً أننا وقتها انتزعنا جائزتين في المهرجان وهما جائزة أفضل نص لي وأفضل ممثل يوسف المقبل، وكل المشاركات التي شاركتها لم تقدم الوزارة ليرة واحدة ولا إعانة وعندما عدنا بالجوائز لم نسمع كلمة (مبروك أو يعطيكم العافية)، التي تقال لأي غريب ويبذل مجهوداً معيناً حتى هذه الكلمة لم تقل لنا، بالعكس في كل مرة كنا نتلقى توبيخاً عندما نريد أن نوقع طلب الإيفاد وكنا نوقع طلب الإيفاد بعد انتظار لساعات طويلة في مكتب مديرة وزيرة الثقافة..
راعٍ عراقي لبعض العروض لتمثيل سورية في المهرجانات الدولية؟
ثمن التذاكر
ويضيف إسماعيل: للأسف الشديد هذا حال كل المسرحيين مثل هشام كفارنة الذي اعتذر عن المشاركة عام ٢٠١٩، أيضاً نحن لم نستطع أن نسافر إلى مهرجان “أيام قرطاج المسرحية” عندما قدمنا عرض “كاستينغ” للأسباب ذاتها وهي عدم قدرتنا على تدبر ثمن البطاقات وعندما نلجأ إلى أي جهة لم يسعفنا أحد ولم يساعدنا أحد ولم ينظر إلينا أحد وموضوع خلو المهرجانات العربية من المسرح له علاقة بذائقة لجان المشاهدة، وعندما تختار لجان المشاهدة عرضاً فالعرض السوري بات واضحاً للجميع أنه لا يستطيع تدبر ثمن بطاقات السفر، وهناك رحلات من بيروت وتكاليف أخرى وهي وسائط النقل الدولية، وما إلى ذلك لا يستطيع أي فنان مسرحي أن يتحملها، خاصة اليوم فالفنانون المسرحيون بالأجور التي تقدم لهم هم غير قادرين حتى للمجيء إلى البروفات.
مال جاهل
ويستكمل إسماعيل: نحن نقترح منذ زمن بعيد بأن يكون هناك (حسم) من ضريبة أي مؤسسة اقتصادية أو شركة مقابل أن تشارك في الدعم.. والبنوك الموجودة في العالم هي معنية بذلك وكل البنوك خارج سورية تقدم دعماً ثقافياً وفنياً.. أما البنوك لدينا فلا نعلم ما تفعل سوى أنها تساهم في الفترة الأخيرة بمنح بعض القروض فقط، لذا يجب أن يكون هناك قرار أن تعفى المؤسسات الاقتصادية والتجارية الموجودة من جزء من الضرائب المترتبة عليها من خزينة الدولة مقابل دعم المسرح وهذا سيشجع التجار والصناعيين على ذلك، وماعدا ذلك لم يساهم المال الموجود في سورية في هذا الدعم وهو مال جاهل لم يسهم أبداً في نهضة الحركة الفنية والثقافية.. والأعباء فقط على وزارة الثقافة التي تتنصل دائما من كل واجباتها، والمسرح السوري اليوم في غرفة الإنعاش.
المسرح السوري آخر اهتمامات الوزارة
ويضيف: لدينا مؤسسة يقودها موظفون يقومون بعملهم بشكل روتيني كي يتقاضوا رواتبهم آخر الشهر، ويتيحون المجال لتقديم أعمال لا يحضرها إلا ضيوف المخرجين والممثلين، بينما تبقى عروض أثبتت جدارة من دون أي رعاية من المؤسسات القائمة. ومجلس مديرية المسارح غير فاعل.. فالقادرون على التخطيط الجيد هم أشخاص لديهم هم مسرحي ولكن يجب أن يقدم لهم الدعم المادي الكافي.
دعوات بلا جدوى
من جهته يؤكد المخرج المسرحي والكريوغراف نورس برو أنه تلقى ثلاث دعوات رسمية كمخرج وصاحب عمل فنّي وفرقة لتمثيل سورية في كل من مهرجانات: “الإسكندرية المسرحي الدولي” في جمهورية مصر العربية، ومهرجان في دولة تونس الخضراء، ومهرجان آخر في دولة الإمارات لتقديم عرض “مونولوغ” الذي قدمه مؤخراً على خشبة مسرح الحمراء بدمشق في تلك المهرجانات، العرض الذي تم اختياره من بين عشرات إن لم يكن مئات العروض المسرحية العربية والعالمية بعد أن تمت مشاهدته مفصلاً وتقييمه من أفضل ممن عمل في المسرح في العالم العربي، ويضيف: لم نجد جهة “وطنية” واحدة تقدّم لنا تذاكر السفر فقط لتمثيل البلاد! حيث تواصلنا وقدمنا الدراسات اللازمة لفريق عمل لا يتجاوز الخمسة أشخاص فقط لا غير “من طرف الجيبة يعني” عارضين الرعاية مقابل تذاكر الطيران فقط مقدمين بالمقابل عرض لحملة إعلامية للجهة الراعية تفوق قيمتها قيمة التذاكر بأضعاف للعديد من الجهات التي تدعم يومياً فعاليات تعنى بكل شيء إلا بالشق الثقافي، لتكون راعياً للعمل كشركتي “سيريتل” التي رفضت الأمر من دون أي تبرير، و”السورية” للطيران والتي اعتذرت عن تأمين التذاكر بسبب “الظروف الحرجة” التي تمر بها حالياً بالإضافة لعدم قدرتها على اتخاذ هكذا قرار بسبب الشركة الراعية لها، وغيرها من الجهات…
راعٍ عراقي
ويردف: الجانب المصري صبر علينا وقدم العديد من الاستثناءات لنا رغبةً منه مشكوراً في وجودنا بينهم إلى أن اعتذر منّا بسبب تجاوزنا الوقت الممنوح لإرسال تذاكرنا إليهم وعدم تأمينها، علماً أن فريقاً مسرحياً يمثل المغتربين السوريين سيكون متواجداً هناك ضمن عروض المهرجان وبرعاية فرنسية كاملة!
لا بل تخيلوا أيضاً بأن جهة راعية قدمت وعرضت لنا خدماتها في المهرجانين القادمين، وهذه الجهة “عراقية” مشكورة لنبلها وطيب أخلاقها.. يعني راعياً “عراقياً” يمثل “سورية!
المسرحيون: لمن نلجأ للنهوض بالمسرح؟
طبعاً لمن سيسأل عن أنه لم لا تقدم وزارة الثقافة التذاكر، أعلمكم بأن الإيفاد متوقف منذ العام 2019 ونظراً إلى ظروف البلاد فأنا أتفهم ولا أعتب، لكن لا أتفهم الشركات وأصحاب الأموال.. نعتذر جداً كفرقة وأعتذر كـ”نورس” منكم جميعاً ومن هذه البلاد التي فيها من يأبى أن تنهض، ويحرص على أن نغرق في مستنقع التفاهات، وما يسمى جزافاً بـ”فن” يقدم على المنصات.. حاولت أن أوصل للآخر بأننا أصحاب فن ورسالة وبأن هذه البلاد ليست كما يشاع، وهذا أقصى ما استطعت فعله، فأنا لست من أصحاب الشركات والمال..
تهرب من التكاليف
ويؤكد برو: نحن كنا دائمي المشاركة في المهرجانات التي كانت تتكفل باللوجستيات والماديات والأجور والإقامة وكل ما يتعلق بموضوع المشاركة الدولية، وآخر مهرجان تعامل معنا بهذا الشكل كان مهرجان الرقص الحديث المعاصر، ولكن للأسف بسبب أزمة الكورونا تراجعت المهرجانات وتراجعت عن موضوع دفع التذاكر وتكفلت فقط بموضوع الإقامة والإعاشة والتنقلات الداخلية ويبقى على المشاركين موضوع التذاكر والتي هي بالنسبة للآخرين رقم عادي ولكنها بالنسبة لوضعنا الاقتصادي رقم عال، وحسب معرفتي أن الإيفاد توقف عام ٢٠١٩ لأسباب لا نعرفها وهذا أمر يتعلق بوزارة الثقافة وهو مبرر..
لكن عتبي هو في مكان آخر وهو على الشركات والمؤسسات السورية بقطاعيها الخاص والمشترك والتي دائماً تقول إنها حريصة على نشر الثقافة السورية والفن السوري وخصوصاً الفن الجاد بكل أنواعه: مسرح، دراما سينما، رقص فني معاصر، ومونودراما.. علماً أننا تقدمنا لعدة جهات لرعاية هذا الأمر لتتكفل بثمن التذاكر وهذه الجهات لا يكلفها الموضوع سوى خطاب.. وأقصد الجهة المسؤولة عن الطيران علماً أن فريق العمل لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وهذا الفريق المختصر عن الفرقة فنياً وإدارياً.
على من تقع اللائمة؟
الجدير بالذكر أن قرار الإيفاد للمشاركات الدولية المسرحية متوقف منذ زمن طويل على حد تعبير أحد المسؤولين في وزارة الثقافة.. وأكد أنه حتى لو قامت وزارة الثقافة بالموافقة على الإيفاد فإن وزارة المالية ستعترض على التكلفة ..
ولا يزال تبادل الاتهامات بين المسرحيين ووزارة الثقافة في أوجهه! ونحن نسأل بعد كل ما تقدم: على من تقع اللائمة، ولمصلحة من هذا التغييب؟
وتبقى الأسئلة حارة ومحزنة، وتنتظر من يُجيب!